الدلالة والإرادة والغاية التفهمية بحسب حديثنا حول العلاقة بين الإرادة والغاية يتناسب البحث في الدخول على معرفة العلاقة بين الدلالة والإرادة وقد بحثها علماء الأصول مفصلاً ونشير اليها إجمالاً أعلم رعاك اللّه أن الدلالة من الأمور الإرتكازية الّتي منحها اللّه لعباده وكشف عن جودها القرآن الكريم في قوله تعالى: « خلق الإنسان علمه البيان » لأجل ابرازها بالدوال والكواشف الخارجية اللفظية وغيرها لكي يستقيم نظام حياة المجتمع البشري في مقام التفهيم والتفاهم سواء كان في جتمعه أم في مجتمع أبناء نوعه لا بد من ابراز مقاصده بقالب لفظي دالة على معانيه أو ابراز مقاصده عن الحصول وربما تكون في بعض الأحيان متعسرة فلا بد من ابراز تلك المقاصد بالألفاظ الدالة على المعاني. وعلينا أن نتناول الحديث حول طبيعة الدلالة من حيث اقسامها. 1 ـ الدالة التصورية. 2 ـ الدالة التصديقية . والمقصود من الدلالة التصورية وهي الإنتقال لالى المعنى عند إطلاق اللفظ والإنتقال يعطي نتيجة الملازمة الواصلة من الدالة والمدلول كالإنتقال من النهار الى الشمس ومن الرطوبة الى لاء ومن السحاب الى الحرارة الى النار. وأما بيان الدلالة التصديقية وهي المستندة الى ما وراء الإنتقال الى الطبيعة النسبة الحكمية والكحزم بها نفياً وإثباتاً فعلي مبنى التعاهد لم يثبت لديه دلالة تصورية وإنما التقسيم يقع منحصراً في الدلالة التصديقية خاصة. وهذا محتاج الى استعراض الآراء حول الدلالة تبعأً لرأي بعض اقطاب الأصوليين . 1 ـ رأي النائيني قال الأمر الثاني أن الدلالة تابعة للإرادة أم لا ولبيان موضوع النزاع لابد من أن يقال أن الدلالة أما تصورية، وأما تصديقية ( أما الأولى) فهي عبارة عن نفس جطور المعنى في الذهن عند تصور اللحفظ بحيث إذا سمع ينتقل منه الى المعنى (وأما الثانية) فهي عبارة عن الدلالة على كون معاني الفاط مما تعلقت بها الإرادة الجدية (وكلام العلمين، ابن سيناء والطوسي) في التبعية (ناظر) الى المقام الثاني فيخرج بذلك الإستعمال الكفائي من الدلالات الوضعية فإنها تابعة لأنّ تكون المعاني مرادة جدية وليس الأمر في الكفاية كذلك (وأما لو قلنا) بعدم التبعية (فلا فرق) بين الإستعمال وغيره في كون الدلالة اللفظية في المعنى (في احدهما) متعلقة بالمعاني الموضوع لها الألفاظ (وفي الآخر) متعلقة بلوازمه فتدبر[1]. وذكر سماحة الوالد رحمهالله في محاكاته ما ملخص رأى النائيني ما أفاده الأستاذ نظير ما ذكره في الكفاية من أن الدلالة التصورية هي فهم المعنى من اللفظ عند الإطلاق غير مقيد بالإرادة وأما المقيد بالإرادة الجدية هي الدلالة الّتي تترتب عليها الآثار وهي الدلالة التصديقية. نعم تخرج باب الكناية عن الكنايات عن الدلالة التصديقية لأنها ليست عن جد ولا يترتب عليها قصد الجد[2]. 2 ـ رأى العراقي ـ قال ولكن التحقيق هو الثاني من وضع الألفاظ لذات المعاني من حيث هي بل وامتناع وضعها للمعاني المرادة وذلك لوضوع ان الإرادة سواء اريد بها اللحاظ المقوم للإستعمال أو إرادة تفهم المعنى أو إرادة الحكم في مقام الجد انما هي من الامور المتأخرة رتبة عن المعنى فيستحيل حينئذ أخذها قيداً في ناحية المعنى والموضوع له فلا محيص حينئذ من تجريد المعنى وال موضوع له عن الإرادة مطلقاً سواء بمعناه المقوم للاستعمال أعني اللحاظ أو بمعنى ارادة التفهيم أو الحكم والمصير الى ان الموضوع له في الألفاظ عبارة عن ذات المعنى بما هي عبارة عن خصوصية كونها ملحوظة باللحاظ الاستعمالي أو مرادة بارادة التفهيم أو الحكم. ومعه يبطل القول بوضعها للمهنى المراد كما هو واضح ـ نعم لهذا الكلام مجال فيهما لو اريد وضعها للمعاني المقرونة مرادة على نحو القضية الحينية لا التقيدية حتى يتوجه الأشكال المزبور[3] وذكر سماحة الوالد ان ما افاد الإستاذ العراقي ان الدلالة من حيث نفسها وإنقسام الدلالة الى لفظية وطبيعية وعقلية وان هذا التقسيم بإعتبار الدلالة العقلية غير منطبق عليها الدلالة اللفظية. ثم قسم الدلالة اللفظية الى المطابقة والتضمين والإلتزام وان الدلالة الإلتزامية فيما كانت الدلالة فيهما بلبين الأخص وأما الدلالة البين والمعنى الأعم أو غير البين فليست نم الدلالة الإلتزامية اللفظية . وقد أورد على الدلالة التضمنية بالأشكال المعروف بين اهل الميزان بأنها ترجع الى الدلالة الإلتزامية . وأجاب علماء المناطق بان جزء اللفظ دال على جزء المعنى وان حصلت الدلالة الإلتزامية بين الجزء والكل إلا ان المقصود الأصلي هو دلالة جزء اللفظ على جزء المعنى، والمراد من الجزء والكل ويكون من المعاني المتباينة. ثم بين تبعية التضمن والإلتزام للمطالبة اذ اللازم يتبع امللزوم والجزء يتبع الكل، وقد تنفرد الدلالة المطابقة، ولاتوجد الدلالة التضمينية والإلتزامية إذا كان اللفظ موضوعاً للمعنى البسيط وليس له لازم فانه يتحقق المطابقة دون التضمين والإلتزام ثم قسمت الإرادة الى ارادة تفهم المعنى وإرادة ايجاب اللفظ بالمعنى والقصد الحقيقي هو الإرادة الجدية . وأما مانسب الى الشيخ الرأيس والمحقق الطوسي من تقييد الدلالة بالإرادة بالمراد وهو الدلالة التصديقية الّتي تترتب عليها الآثار دون الدلالة التصويرية الّتي توجب انتقال المعنى من سماع اللفظ ولو من غير اختيار وإرادة كالنائم والساهي[4]. 3 ـ رأى الاصفهاني ـ لا يخفى عليك ان دخل الإرادة بحيث يوجب انحصار الدلالة الوضعية في الدلالة التصديقية لا يكون متوقفاً على ضرورة الإرادة قيداً في المستقبل فيه بل يمكن الدخل بأحد وجهين أما على نحو ما تصوره شيخنا العلامة أدام اللّه أيامه ـ الاخوند ـ في الفراق بين الاسم والحرف بان يقال ان الألفاظ موضوعية بأزاء المعاني لا مطلقاً بل لأنّ يراد بها حالة ودالة الغير فتتقيد العلقة الوضعية بصورة الإرادة الاستعمالية وفي غيرها بالوضع وما يرى من الانتقال الى المعنى مجرد سماع اللفظ من وراء الجدار ومن لافضها بلا شعور وغير اختيار فمن جهة انس الذهن بالانتقال من سماعه عند إرادة معناه، هذا وأما على نحو ما تصورناه في الفرق بين الاسم والحرف بناءاً على اتحاد معناها ذاتاً بأن يكون اللفظ موضوعاً للمعنى الّذي تعلق به الإرادة والإستعمالية فهو اشارة الى ذات الخاص لا بوصف الخصوصية وفائدته عدم الإختصاص الوضعي بين اللفظ والمعنى الّذي لا يتخصص بالمراد وقد عرفت ان الثاني أقرب الى الاعتبار لأنّ اللحاظ والقصد من شؤون المعنى والاستعمال فيصح جعلها قيد المعنى ولا يصح جعلها قيداً لم يكون من شؤونه وأحواله على الوضع فتدبر جيداً[5]. وأما المختار لدينا من بين هذه الآراء ان الألفاظ موضوعة للمعنى وكاشفة عن المعاني بنحو الفناء والطريقة لذات المعنى من غير تقييدها بمراد لافظها فان الإرادة من مقولة الكيف النفساني وللفظ المرآتي والفنائي من الكيف المسموع فلا يعقل ان تكون مقومة للفظ لحصول المباينة بين المقولتين كما انه لا يعقل ان تكون مقومة للمعنى والمستعمل فيه لإختلاف النتيجة فيها . ولو قدر كون الإرادة في طبيعتها الأولية جزءاً أو قيداً للموضوع له وقدر كونها بنفسها الإرادة المقومة للإستعمال لزم أخذ المتأخر في المتقدم وهو دليل الخلف أو يلتزم المقارنة للمعنى من غير أخذها جزءاً مقوماً للإستعمال فيندفع محذور الخلف الا انه يرد عليه بان ذلك مختص في الأمور الخارجية دون المفاهيم حيث لا يقيد فيها. أما ملاحظة أراء الأعلام حول تبعية الدلالة للإرادة فيظهر من النائيني جعل الفرق بين الدلالة التصورية والتصديقي ان الأولى عبارة عن خطور المعنى لدى الذهن دون الإنتقال والأول ناظر الى النتيجة والثاني ناظراً الى المبادىء وكلا التعريفين محل مناقشة . وأما نظره بان الدلالة تتبع الإرادة في خصوص الدلالة التصديقية وهي القائمة على الإرادة الجدية فلا يخلو أيضاً من المناقشة فان مقتضى طبيعة الدلالة هي التلازم بين الدال والمدلول وهي النتيجة الحاصلة منها فالإرادة الإستعمالية والإرادة التفهيمية في كل منها لا يمكن أخذهما قيدين في ذات المعنى والمستعمل فيه لتأخر كل منهما عن الآخر فكيف يمكن أخذهما مقومين وأنما حقيقة الدلالة اخذ في مفهومها على نحو الابشرط بالقياس الى الإرادة سواء كانت تفهيمية ام استعمالية . وعلى هذا يكون الجواب في رفع محذور الأشكال من الدور أو الخلف أو تعدد اللحاظ وعدم الإنطباق على الخارج لاخذهما في عالم الذهن ونحوها من المحاذير الأخرى المقارنة والقضية الجينية كما اشار اليه العراقي وأما ان يكون اخذ الداعي بنحو تضييق الدلالة الوضعية أيضاً كما عليه مسلك الأصفهاني إلا لم يخرج عن محذور الأشكال لأخذه قيداً في الدلالة الوضعية هذا إذا فسر الداعي بمعنى الغرض وان لم يفسر الداعي بمعنى الغرض فلا يؤخذ قيداً في الموضوع له ويكون الجواب أيضاً تاماً في دفع الأشكال . وأما على مسلك السيد الاستاذ الخوئي من البناء على التعاهد الوضعي فيلزمه عدم القول بالدلالة التصورية فأرجاع الدلالة التصديقية ولكن محذور الخلف والدور ومحذور تعدد اللحاظ وعدم انطباقه الخارجي محقق وثبات فلا يمكنه رفع هذه المحاذير بنظرية التعاهد . وأما ما أشار اليه انائيني في ارجاع الدلالة الى الإرادة الجدية الى الدلالة التصديقية لترتب الآثار عليها إلا انه يلزم خروج الكنايات عنها ولكن هذا قدر انحصار الافادة والاستفادة والتفهيم في خصوص الدلالة الوضعية وأما إذا كانت الافادة والتفهيم والتفاهم اعم من ذلك فلا تنحصر في الدلالة الوضعية بل تشمل الاشارات والكنايات . وقد انتقد السيد الصدر محذور عدم انطباق المعنى على الخارج بإعتبار تقيده بأمور ذهنية وكذلك محذور الخلف والدور . قال وكلا هذين الاعتراضين غير متجه اما الأول فلان الإرادة لها بالذات وهو نفس الوجود الإرادي للمراد فإن الإرادة نحو وجود للمراد كما أن التصديق وجود تصديق للمعلوم والتصور وجود تصوري للمتصور وهذا وللإرادة مراد بالعرض وهو ذات المفهوم فلو كان المقصود من وضع اللفظ للمعنى المارد وضعه لما هو المراد بالذات لكان مرجعه الى الوضع للوجود الإرادي القائم في النفس وأما إذا كان المقصود من ذلك وضع اللفظ لذات المفهوم مع أخذ نسبة بينه وبين الإرادة في المعنى الموضوع له ـ فيعقل تقييد المفهوم بهذه النسبة فلا يخرج بذلك عن قابلين الإنطباق على الخارجيات . والحاصل أن هناك نسبة وتخصيص تنتزع بلحاظ المارد بالذات ونسبة تنتزع بلحاظ المراد بالعرض وتقييد المعنى الموضوع له بالإرادة لا ينحصر باخذ النسبة الأولى بل يمكن تصويره باخذ النسبة الثانية[6]. ولكن ينبغي على السيد الصدر أن يلحظ الإرادة بما أنها واقعة في وعاء الذهن وماخوذه على نحو الجهة التقييدية فلا يمكن أخذها على نحو الوجود الخارجي . وأما أذا أخذت الإرادة على نحو الوجود الواقعي والوجود الذهني أخذ فيه على نحو التعقل بالوجود الواقعي حيث لم تكن مأخوذة على نحو التقييد في الجال الذهني وإنما أخذت على نحو الوحود الواقعي الّذي تعلقه الوجود الذهني . ويكون دور الغاية بين الإرادة الإستعمالية والتفهمية أنه عند اطلاق اللفظ في الدلالة التصورية وأما في الدلالة التصديقية لا بد أن تكون نابعهعن إرادة جدية والغرض في اطلاق اللفظ تفهيم المخاطب أنالإرادة قصد بها الجد دون الهزل أو السخرية أو الإيهام ويشمل الإطلاق اللفظي بالمصطلح الأصولي الحقيقة والمجاز ولا يحدد في اطار الحقيقة خاصة بل يشمل الأمور المجازية أيضاً.
|