الاصول الموضوعة لتفسير الفاتحه من الوجهة العلميه سورة الحمد
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ«1» اَلْحَمْدُ للّهِِ رَبِّ الْعالَمِينَ«2» الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ«3» مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ«4» إِيِّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ«5» اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ«6» صِرَاطَ الَّذِينَ أَ نْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآ لِّينَ«7»
وجه تسمية الحمد أ ـ لأنّ فيها الحمد. ب ـ ام الكتاب لكونها متقدمة على سور القرآن و لذا يقال ام الرأس للجلدة الّتي تجمع الدماغ و «ام القرى» لأنّ الأرض دحيت من تحت مكه. ج ـ المثانى لأنّها تثنى يقرأها فى كل صلاة. د ـ السبع لأنّها سبع آيات؛ و تسمى الواقيه ها؛ وتسمى «الكافيه» لأنّها تكفى عما سواه. أما فضلها قول النبى صلىاللهعليهوآله لجابر ألا أعلمك أفضل سورة انزلها اللّه فى كتاب فقال له جابر بلى، و قال فعلمه الحمد ام الكتاب ثم قال: هى شفاء من كل داء إلاّ السأم و السأم الموت. 1. البسمله عن الرضا قال بسماللّه الرحمن الرحيم اقرب الى اسم اللّه الاعظم من سواد العين الى بياضها. 2. كلمه الاسم مشتق من السمو و هو الرفعه اصله يسمو بالواو و جمعه اسماء و قيل انه مشتق الوسم و اسمه العلامه و مجمع البيان يرى الاول. 3. الباء فى البسمله للإلصاق و قبل بسم اللّه تضمين الاستعانة تقديره استعينوا بان تسمواللّه باسمائه الحسنى و كان الابتداء باسمه لاجل تعليم المجتمع البشرى على ارتباط المعنى بذاته وان فعل و عمل او قول معلما باسمه قال النبى صلىاللهعليهوآله كل امر ذى بال لم يبدأ فيه باسم فهو ابتر والابتر المنقطع الآخر.
الغاية من البسمله راجعه الى غرض السورة ـ و هو حمداللّه بأولاء العبودية له سبحانه بالافصاح من العبادة و الاستعانه و سؤال الهدايه فهو كلام يتكلم به سبحانه نيابة عن العبد و اظهار العبودية من العبد ايتان العمل باخلاص. و متعلق الباء فى البسمله الابتداء و يراد به تتميم الاخلاص فى مقام العبودية. و كلمه الاسم الدال عن المسمى المشتق من السمة بمعنى العلامة او السمو بمعنى الرفعه. و اما الاسم بمعنى الذات ماخوذ ابوصف من اوصافه فهو من الاعيان و ليس من الوجودات اللفظية الجلاله أصله الاله حذفت لكثرة الاستعمال و اله من أله الرجل يأله بمعنى عبد او من اله الرجل أو وله اى تحير فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المعتدل لكتاب بمعنى المكتوب سمى الها لانه معبود او لانه مما تحيرت فى ذاته العقول. الرحمن صيغه داله على مبالغه فى الكثرة و الرحيم صفة مشبهة دالة على الثبات و البقاء فالرحمن كثير الرحمة على المؤمن و الكافر كما ان الرحيم دال على النعمة الدائمه و قال سبحانه و كان بالمؤمنين رحيما.
هل البسملة من القرآن ام لا؟ اجمعت الشيعه عن انها اية من كل سورة و ذهب الى ذلك ابن عباس و ابن المبارك و اهل مكه كإين كثير و اهل الكوفه كعاصم و الكسانى و غالب اصحاب الشافعى و جزم به قراء مكه و الكوفه[1]. كلمة الجلالة فى البسملة أ ـ يتبادر منه الى ذاته بلا قرينة. ب ـ لفظ الجلاله لا يستعمله و صفا فلا يقال العالم او الخالق اللّه. ج ـ لو لم يكن لفظ الجلالة علما لما كانت كلمة لااله الا اللّه كلمة التوحيد فانها لا تدل على التوحيد بنفسها هكذا[2]. الرحمن صفه فعل و ليث رقة القلب و لم تكن مؤخوذة في مفهومه وانما فى بلوازم الوجود البشرى. والرحيم تستعمل غالبا للغرائز و اللوازم غير المنفكة عن الذات كالعليم و القدير والشريف و الوضيع و السخي و البخيل. و ذكر ان الرحمن الموجد و المفيض لكل شىء و القائم على كل موجود و الرحيم على عباده فى الدنيا و الآخرة و اجتماع الرحمانية و الرحيمية لايكون لافي ذاته المقدسة[3]. و ذكر فى تفسير فخر الرازى الرحمن اسم خاص الرحيم ينطبق عليه وعلى غيره[4]. و ذكر ان سبب تأخير الرحيم عن الرحمن فان الرحيم دالة على ان المبدأ فيها من الغرائز و السجايا غير المنفكة عن الذات فان هيئة الرحمن دالة على سعة الرحمة و ليست لازمة للذات[5]. و سئل الامام الرضا عليهالسلام عن اللّه ما هو قال صفة لموصوف و عنه عليهالسلام معنى قول القائل بسم اللّه اى اسم على نفسية سمية من السمات اللّه عزوجل و هى العبادة قيل له ما السمة قال العلامة و سئل الصادق عليهالسلام عن اسماء اللّه عزوجل و اشتقاقها فقال اللّه مشتق من اله و اله يقتضي ما لولاها و الاسم على السمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا و من عبدالاسم و المعنى فقد اشرك و عبد الاثنين و من عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد ثم قال عليهالسلام اللّه عزوجل تسعة و تسعون اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها هو اله. و سئل الكاظم عليهالسلام عن معنى اللّه قال استولى على مارقّ وجلّ وعنه عليهالسلام الرحمن اسم خاص لصفة عامة و الرحيم اسم عام بصفة خاصة. و سئل الصادق عليهالسلام عن بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال الباء بهاء اللّه و السين سناء اللّه و الميم مجد اللّه و روى بعضهم ملك اللّه و اللّه اله كل شىء و الرحمن يجمع خلقه و الرحيم بالمؤمنين خاصة[6].
الحمد للّه الفرق بين الحمد و المدح و الشكر المدح يحصل للحى و لغيره كمدح اللؤلؤة فانها لغير الحي كما ان المدح يكون قبل الاحسان و بعده و الحمد لايكون إلاّ بعد الاحسان و المدح قديكون منهما عنه كما اذا كان للملق و مرح الامراء و السلاطين بينما الحمد مأمور به و الفرق بين الحمد و الشكر ان الحمد يشتمل ما إذا اوصل ذلك الانعام اليك او الى غيرك و الشكر مختص بالانعام الواصل اليك. قال اللّه الحمدللّه و لم يقل احمد اللّه حيث ان الحمدللّه هو ان الحمد و الثناء حق للّه و ملكه فانه تعالى مستحق للحمد بسبب كثرة اياديه و انواع آلآئه على العباد. و اما اللام فى الحمد اما ان تدل على الاختصاص مثل الجل للفرس او ان اللام للتمليك مثل الدار لزيد او يراد به الاستيلاء مثل البلد للسطان فاذا كان اللام فى الحمد للاختصاص صار المعنى ان الحمد لايليق إلاّ لغابة جلاله و كثرة فضله و ان حملته على الملك فمعلوم انه تعالى مالك للكل او اللام للجنس او الاستغراق على الاختلاف فى دخول اللام في الحمد و الحمد الحقيقى لايقع الامنه سبحانه لقصور المدح و الثناء من الممكن و ان كان من الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآله و انما مدح الانبياء بمقدار ربهم للساحة الآلهية و ليس هناك مدح يمكنهم الوصول اليه حقيقة وانما مدحهم بما يناسب ذاتهم و الا فالمدح الحقيقى راجعة الى الواجب. فالحمد هو الشعور من قبل العبد بمقام شأنه تعالى على حسب استعداده و قابليته. و ذكر ان الحمد ضد اللوم بحسب اللغة و لا يكون الحمد الاعلى الفعل الاختيارى سواء كان احاط بلحامد ام لم يكن و الشكر مقابل الكفران و هو لا يكون الا للانعام و الاحسان و المدح يقابل الذم. ثم ان طبيعه الحمد و جنسه يتناسب مع افق طبيعة الفاعل فمنهما بلغ من الفعل من حسن يكون مسببا عن الفاعل لكماله كما فى قوله تعالى «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ»[7] وكلمة اللّه هو المجتمع لجمع الصفات النفسية. وكلمة الحمد وصف و قد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين فقال«سُبْحَانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* إِلاَّ عِبَادَ اللّهِ الْمُـخْلَصِينَ»[8]. ولكن هذا لايمنع ان يؤتى الحمد من قبل غيره كما عن لسان الانبياء كما عن نوح عليهالسلام «فَقُلِ الْحَمْدُ للّهِِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ »[9] وقول ابراهيم عليهالسلام «الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ »[10] وامراللّه محمدا بالقول بالحمد فى قوله تعالى «وَقُلْ الْحَمْدُللّه»[11]. كما ان الملائكة ايضا يطلقون الحمد فى تسبيحهم كما فى قوله تعالى «وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ»[12] واطلق الحمد على الجمادات مثل قوله تعالى«وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ »[13] «وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»[14]. وعن هذا فيكون الاطلاق الممكن على الحمد بلحاظ تناسب ذاته وإلاّ فالحمد الحقيقى لا يطلق إلاّ من الواجب المتناسب المقتضى مع المقتضى. و لما يفترض من انه يقدم التسبيح على التحميد لانه يقال سبحان اللّه و الحمداللّه يدل على التسبيح دلاله التضمن فان التسبيح يدل على كونه مبدأ فى ذاته و صفاته عن النقائص و الآفات و التحميد يدل مع حصول تلك الصفة على كونه محسنا الى الخلق منعما عليهم رحيما بهم[15].
ربّ و الرب ماخوذ من ربب و هو المالك المصلح و المربى و منه الربيبة وهو لايطلق على غيره تعالى الا ان يكون متعلقا لشيء و كما يقال رب الدار و يراد من كلمه الرب السيد و لذا يقال رب الدار و رب البيت بمعنى سيدهم المتصرف فان جييء بكلمة الرب من غير تقييد يراد بها اللّه سبحانه و اذا قيدت قصد بها الانسان المتصرف الرب مصدر بمعنى التربيه و هى ابلاغ الشىء الى كماله. و التربية من اللّه لخلقه اما تكوينه و اما تشريعه و اما التربية التكوينة فهي تجلي الحق بانواره على الممكنات على وفق استعدادها و قابليتها. و اما التربيه التشريعيه فهى التعاليم الموحات من اللّه على انبيائه و رسله فى ابلاغ البشر و توجه نفوسهم الى مراحل الكمال و نهاية التكامل[16]. الفائدة الثانية المربى على قسمين: احدهما ان يربى شيئا ليربح عليه المربى ـ و الثاني ان يربيه ليربح المربى و تربية كل الخلق على القسم الاول لانهم انما يربون غيرهم ليربحوا عليه اما ثوابا او ثناء و القسم الثانى هو الحق سبحانه كما قال خلقتكم لتربحوا عليّ لا لاربح عليكم فهو تعالى يربي ويحسن وهو بخلاف سائر المربين و بخلاف سائر المحسنين[17].
العالم و العالمين لفظ العالم لا مفرد له من لفظة فلايقال مفرده علم كرهط و قوم و قد يطلق على مجموعة من الخلق المتماثله كما يقال عالم الجماد و عالم الحيوان و قد يطلق على مجموعة يؤلف بين اجزائها اجتماعها فى زمان او مكان فيقال عالم الصبا عالم الذر عالم الدنيا عالم الاخره و قد يطلق و يراد به الخلق كله[18]. و اما لفظ العالمين فهو جمع العالم بفتح اللام بمعنى ما يعلم به كالقالب و الخاتم و الطابع بمعنى ما يقلب به و ما يختم به و ما يطبع به يطلق على جميع الموجودات و على كل نوع مؤلف الافراد و الاجزاء منهما كعالم الجماد و عالم النبات و عالم الحيوان و عالم الانسان و على كل صنف مجتمع الافراد ايضا كعالم العرب و عالم العجم و هذا المعنى هو الأنسب لما يؤول اليه عدّ هذه الاسماء الحسنى حتى ينتهي الى قوله «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ »[19]. و ذكر فى الجوهر الثمين[20] رب العالمين الرب فى الأصل هو المالك فهو اما صفة مشبهة من فعل متعدي لكن بعد جعله لازما من ربه يربّه بفتح العين فى الماضي وضمها فى الغابر و اما وصف بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل و هو مفرد لايطلق على غيره تعالى الامضا فاكرب الدار او مجموعا كالارباب و التربية تبليغ الشىء كماله له تدريجا وصف به للمبالغه او صفه مشبهه من ربه يربه و اضافته حقيقة لانتفاء النصب لاشتقاقه من اللازم و لقصد الاستمرار الثبوتي ككريم البلد فساغ وصف المعرفه به و سمى به المالك لحفظه ما يملكه و تربيته له. و العالم اسم لما يعلم به كالطابع غلب فى كل جنس مما يعلم به الصانع من الجواهر و الاعراض كما يقال عالم الارواح و عالم الافلاك و عالم القيامه. و فى المرتضوى رب اذ لامربوب و في الباقري لعلك ترى ان اللّه انما خلق هذا العالم الواحد او ترى ان اللّه لم يخلق بشرا غيركم بلى و اللّه لقدخلق الف الف عالم و الف الف آدم انت فى آخر تلك العوالم و اولئك الآدميين. و فى الصادقي ان للّه عزوجل اثنى عشر الف عالم كل عالم منهم اكبر من سبع سموات و سبع ارضين ما يرى عالم منهم ان للّه عزوجل عالما غيرهم وانا الحجة عليهم. و فى المرتضوى رب العالمين و هم الجماعات من كل مخلق من الجمادات و الحيوانات[21]. و اشتقاق العالم من العلامة لانه يدل على صانعه و قيل انه من العلم لانه اسم يقع على ما يعلم و هو فى عرف اللغة عبارة عن جماعة من العقلاء لانهم يقولون جاءنى فى عالم من الناس و لا يقال جاءنى عالم من البقر و فى المتعارف بين الناس هو عبارة عن جميع المخلوقات و تدل عليه الآية قال و ما رب العالمين قال رب السموات و الارض و ما بينهما ـ و قيل انه اسم لكل صنف من الاصناف و اهل كل قرن من كل صنف يسمى عالما و لذلك جمع فقيل عالمون لعالم كل زمان و هذا قول اكثر المفسرين[22]. الرحمن الرحيم كرر لأجل شدة الاعتناء بالرحمة و اثباتا للرجاء بانه مالك يوم الجزاء الّذي هو البانع فى غاية الرحمة فلا يقنط من عفوه المذنبون. و قال علىبن عيسى الرمانى فى الاول ـ الرحمن ـ ذكر العبودية فوصل ذلك بشكر النعم الّتي بها يستحق العبادة وها هنا ذكر الحمد بذكر ما به يستحق الحمد من النعم فليس فيه تكرار[23]. الرحمن الرحيم صفتان مشبهتان من رحم بالكسر بعد نقله الى المضموم كغضبان من غضب و عليم من علم و الرحمن فى الأصل رقة القلب لمغضبة للاحسان و المقصود بها غاياتها من الافعال لامبدئها من الانفعال. و يراد من الرحمن اما بحسب كثرة افراد المرحومين و قلتها و عندما يطلق كلمة يارحمن الدنيا العموم للمؤمن و الكافر و عندما يطلق كلمه الرحيم فى قوله رحيم الآخر مختص بالمؤمنين. هذا من حيث الكم و اما من حيث الكيف فاطلاق قوله يارحمن الدنيا و الاخرة و رحيم الدنيا لجسامة نعم الآخرة كلها بخلاف نعم الدنيا و يكون مؤدى الرحمن البالغ فى الرحمه غايتها و لذا اختص به تعالى[24]. و ذكر فخر الرازى[25] في الفائدة الاولى الرحمن هو المنعم بما لايتصور صدور جنسه من العباد و الرحيم هو المنعم بما يتصور جنسه من العباد. و ذكر الفخر حكايات غريبة حول الرحمة من اللّه على خلقه قال: حكى عن ابراهيم بن ادهم انه قال كنت ضيفاً لبعض القوم فقدم المائدة فنزل غراب و سلب رغيفا فاتبعته تعجبا فنزل فى بعض التلال و اذا هو يرجل مقيد مشدود اليدين فالقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه. روى ذى النون ـ المصري ـ انه قال كنت فى البيت اذ وقعت و لولة فى قلبى وصرت بحيث ماملكت نفسي فخرجت من البيت و انتهيت الى شط النيل فرايت عقربا قويا يعد و فتبعته فوصل الى طرف النيل فرايت سلحفاه ضفدعا واقفا على طرف الوادي فوثب العقرب على ظهر الضفدع (السلحفاه) و اخذ الضفدع (السلحفاء) يسبح و يذهب فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع (السلحفاه) الى الطرف الآخر من النيل و نزل العقرب من ظهره و اخذ يعدو فتبعته فرايت شابا نائما تحت شجرة و رايت الافعى يقصده فلما قربت الافعى من ذلك الشاب وصل العقرب الى الافعى فوثب العقرب على الافعى فلدعهنا و الافعى ايضا لدغ العقرب فماتا معا و سلم ذلك الانسان منهما. و ان كانت هذه القصه جاءت بتعبير آخر انه خرج كما هو عادته فى تتبع الحوادث الغريبه فوجد عقربا يعدو فتبعه ذو النون الى صفاف النيل فراى سلحفاه واقفه تنتظره فوثب على ظهرها فتبعهما فى السباحة بحمل ملابسه على رأسه حتى وصل الى الطرف الآخر فقفرت من على ظهر السلحفاه و قد بقبت واقفة على حالتها السابقة من الانتظار و اخذ العقرب يعدو الى ان وجد رجلا سائماً قد طوقته الافعى فجاء العقرب ولدعنها ففكت تطويقها عنه و ماتت من وقتها فجاء ذو النون و ايقظه من نومه و قال انظر الى رحمة اللّه عليك وانت نائم وكان لحم الرجل لا يعتقد باللّه فآمن من وقته وقال انظر إلى الافعى و اثر العقرب و هذه السلحفاه و العقرب على ظهرها قد عاد الى محله. و ذكر قصة اخرى حول الرحمة الآلهية على خلقه قال يحكى ان ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم احمر و الغراب يفر منه و لايقوم بتربيته ثم ان البعوض يجتمع عليه لانه يشبه قطعة لحم ميت فاذا وصلت البعوض اليه السقم تلك البعوض و اغتذى بها و لايزال على هذه الحال إلى ان يقوم و ينبت ريشه و يخفى لحمه تحت ريشه فعند ذلك تعود امه اليه و لهذا السبب جاء فى ادعية العرب يا رازق النعاب فى عشه[26]. و ذكر فى الفائده الرابعه انه تعالى رحمن لانه يخلق ما لايقدر العبد عليه رحيم لانه يفعل ما لا يقدر العبد على جنسه فكأنه تعالى يقول انا رحمن لانك تسلم الى نطفة قدرة فاسلمها اليك صورة حسنة كما قال تعالى «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» و انا رحيم لانك تسلم الى طاعة ناقصة فاسلم اليك جنة خالصة[27]. ذكر فى العقل البشرى[28] الرحمن اسم يختص به تعالى و ان كان عاما من حيث شموله لجميع الموجودات و الرحيم اسم عام تكررت الآية بالرحمة ليعرف البشر سعة رحمة اللّه تعالى و لطفه و ان رحمته وسعت كل شىء و سبقت رحمته غضبه. و مفاد تكرار الرحمن الرحيم بين قوله رب العالمين و مالك يوم الدين اشعارا للكمال التربيه الى وقت يوم الجزاء فضلا عن كونها من الصفات الذاتيه. و اتضح من ذلك كله ان صفة الرحمن له جانب اطلاقى و لها جانب تقييدى اما الاطلاقي فهي شامله له سبحانه و لغيره و اما الجانب التقييدى فان الرحمن من صفات الافعال له سبحانه و لايمكن لاى وجود امكانى ان يفعل الرحمة منه ما سواه كما ان الرحمة ليست من الانفعالات حيث ان الرحمة القلبية من لوازم الوجود البشري و انما رحمته سبحانه افعاله الّذي يدركها الانسان من خلال اثارها و تطبيقها على ما تنسجم من طبيعة العطف مع حياة الانسان و سائر الكائنات الحية فان من يرسل حيوانا لاجل احياء و بقاء فهو فهى رحمة او من يرسل طائره ياكل الذرات المتبقية بين اسنان الحيتان ويجعل على راس الطائر شوكة لحمايته من اطباق الحيتان عليه رحمة على الطائر و رحمة على الحيتان او يجعل فى بعض الاسماك قوة كهربائية تقيه من اصطلام الأسماك الكبيرة به لحفظ حياته فهو رحمة منه على ذلك السمك الصغير و ما شاكل ذلك من افعاله الرحيميه و قدرته المتعاليه. و اما الرحيم فهو صفة تخص المؤمنين فى دار الآخرة وعامة فى الدنيا للمؤمن و الكافر وصفة الرحيم من المعانى الاضافيه فهى خاصة من جهة و عامة من جهة اخرى. قال استاذ الخوئى قدسسره فى بيانه[29] رب العالمين فانه المنعم على عباده بالخلق و الايجاد ثم بالتربية و التكميل و اشير الى المنشأ الثالث بجملة الرحمن الرحيم. فان صفة الرحمة تستدعي الرغبة فى نعمائه و طلب الخير منه و اشير الى المنشأ الرابع بقوله: مالك يوم الدين فان من تنتهي اليه الامور و يكون اليه المنقلب جدير بان ترهب سطوته و تحذر مخالفته. و ذكر الاستاذ و مما بنياه يتضح ان جملة الرحمن الرحيم ليس تكرارا اتى بها للتاكيد ـ كما زعمه بعض المفسرين ـ بل هى لبيان منشأ اختصاص الحمد به تعالى فلا يغني عنه ذكرها اولا فى مقام التيمن و التبرك وهو طاهر. و قال فخر الرازى فى تفسير الكبير[30] الرحمن الرحيم يدل على ان الا الاله الواحد الذي اله سواه موصوف بكمال الرحمة و الكرم و الفضل و الاحسان قبل الموت و عند الموت و بعد الموت. مالك يوم الدين ذكر الميزان[31] فقد عرفت معنى المالك و هو المأخوذ من الملك بكسر الميم و اما الملك و هو ماخوذ من الملك بضم الميم فهو الّذي يملك النظام القوى و تدبيرهم دون العين او بعبارة اخرى يملك الامر و الحكم فيهم. و الفرق بين الملك و المالك ان الملك هو القادر الواسع المقتدر الّذي له السياسة و التدبير و المالك القادر على التصرف فى ماله و له ان يتصرف فيه على وجه ليس لاحد منعه منه[32]. و قال فى العقل البشرى ج 1، ص 227 و هو ماك يوم الجزاء الّذي لايمكن لاحد ان يدعى ملكية شىء فيه و ان كل شخص يجزى باعماله ان خيرا فخير و ان شرا فشر. و قد جاء فى بعض القرآءات ملك يوم الدين و كونه ملكا يلازم ملكية اللّه للموجودات حيث ان ملكيته تعالى بمعنى ايجاد المخلوقات و من لوازمه انه ملك عليها. و فى الحقيقة ان المالكية للموجودات من اللّه بمعنى الخلق و الايجاد مما يلازمه الهيمنة و التصرف فى الكائنات و ان الاعتراف بيوم الجزاء مفترق الطريق بين المسلمين و بين بعض الامم الجاهله الذين ينكرون يوم البعث و النشور و يقولون اذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد. و فى ص 279 ان ملكية اللّه للموجودات ملكية ايجاد و اشراق و اذا تحققت الملكية للّه تعالى فى خلقه تحقق عنوان ملك و كانت ملكية ماعداه اعتباريه و ملكيت تعالى ملكيه احاطة العله بالمعلول و الموجد بالموجودات و المهين على خلقه فالمملوكية تلازم الملوكية فى حقه تعالى. قال فخر الرازى الفائدة الاولى قوله «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» اى: مالك يوم البعث و الجزاء و تقريره انه لابد من الفرق بين المحسن و المسىء و المطيع و العاصي و الموافق و المخالف و ذلك لايظهر الا فى الجزاء كما قال تعالى «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى». و قال تعالى «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» و قال «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى»[33]. ذكر الاستاذ الخوئى قدسسره فى البيان ص 456 ـ مالك يوم الدين فان من تنتهى اليه الامور و يكون اليه المنقلب جدير بان ترهب سطوقه و تحذّر مخالفته و قد يكون الوجه هو بيان ان يوم الدين هو يوم ظهور العدل و الفضل الآلهيين و كلا هما جميل لابد من حمده تعالى لاجله فكما ان افعاله فى الدنيا من الخلق و التربية و الاحسان كلها افعال جميلة يستحق عليها الحمد فكذلك افعاله فى الآخرة من العفو و الغفران و انابة المطيعين و عقاب العاصين كلها افعال جميله يستوجب الحمد بها.
القراءة لمالك و ملك ان استعراض آراء المفسرين حول مالك يوم الدين فى قراءة عاصم و الكسائي ولكن قرأ جماعة ملك و به قرأ الصادق عليهالسلام ما لا يحصى كما قرأ بالاول و يؤيده لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار قال السيد عبداللّه شبر[34] انه ادخل فى التعظيم و انسب بالاضافة الى يوم الدين لملك العصر و بوصفه تعالى بالملكية بعد الربوبية. و ذكر كلمة الدين بمعنى الجزاء عن الباقر و الصادق عليهماالسلام الحساب و عن الرضا عليهالسلام مالك يوم الدين اقرارا له بالبعث و المجازاة و ايجاب ملك الآخرة و له كايجاب ملك الدنيا و عن السجاد عليهالسلام انه اذا قرأ مالك يوم الدين يكررها حتى يكاد يموت. و فى اختياره سبحانه لكلمة الدين على سائر الاسامى رعاية للفاصلة و افادة للعموم فان الجزاء يتناول جميع احوال القيامة الى السرمد و اضافة اسم الفاعل الى الظرف لاجرائه مجرى المفعول به توسّعاً. و المهم ان البحث من حيث المجال الفلسفي لطبيعة الملكية لله فهى ملكيه حقيقة ونفي بالحقيقية هى احاطته سبحانه بالموجودات على نحو التأثير و التاثر و العلم الحضوري دون الحصولي فيكون مالكا لهما على نحو السيطرة و الهيمنة المطلقة لسائر الموجودات اما الملكية الاعتباريّة فلايمكن ان تتصور الملكية في حقه تعالى حيث لامجال لأن ينفصل المملوك عن ماكله و لو آناًما فاذا كان ملكيته على نحو فناء المعنى الحرفى فى المعنى الاسمى ورجوع ما فى ذاته الفقر الى ما هو الغنى المطلق فعل هذا تصبح النتيجة في التعبير القرآني مالك يوم الجزاء و مالك يوم الحساب اشارة الى ان سلسلة الوجودات لما كانت فى دور الكمال و ان ما يسير عليه الانسان الى موارد الكمال فيكون الخط النهائي هو ملكيته للكمال النهائي اذ مبدأ الحدوث و سير الانسان الى المراحل الاستعداد به لايعطى الدور الجلى فى الكشف عن هوية الانسان فى ساحة الجزاء فالملكية الحقيقية تكشف عن مسيرة الانسان كما تكشف العطاء الآلهي في هذه عن المسيرة اما بالختم له في السعادة و جزاء الاحسان او الختم له بالشفاء لما قدمته نفسه الى هذا المطاف الاخير الّذي اقحمته اعماله فى شبكه العقاب و الناس مجزون باعمالهم ان خيرا فخير و ان شرا فشر كل ذلك للكشف عن مقام عدله و عدم حيفه على مخلوقاته. كما ان يوم الجزاء فيه دلالة عن عظمة اللّه و تمام فيضه المحكمة بعدم خروج اى مخلوق عن دائرة حكمه فى يوم الحساب سواء كان ملكا ام مملوكا شريفا ام وضيعاً غنياً ام فقيراً عالماً ام جاهلا كبيرا او صغيرا رجلاً ام انثى كلهم من دون امام العدل الآلهي ووجدوا ما عملوا محضرا مشاهدا امام رأي عينيه ينظر كيف تمر عليه صحيفة اعماله كانها شريط تلفزيوني بصورة و صوت او اعظم من ذلك كما ان الآية تكشف عن وجود حركة ماوراء المادة العنصرية. و ان هناك وجود يلتقى فيه عالم الاموات و الالتقاء فى مقام الحساب و اعطاء كل ذى حقه حقه فهو من نوع الكشف الغيبي الّذي لايدركه الانسان و ان الانسان يمر بطريق الى عالم آخر انه عالم المعاد و ان الانسان فى حركه مادية غير قابله للفناء و ان الموت حقيقة بقاء كمال و ليس من نوع اعادة المعدوم لان اعادة المعدوم ممتنعه. كما ان الآية مشيرة عن وجود المعاد و التقاء الظالم مع المظلوم و الصالح و الطالح يحاسب كل فرد على ما اقترفه من اعمال حسنة او قبيحة. و ذكر[35] مالك يوم الدين يدل على ان من لوازم حكمته و رحمته ان يحصل بعد هذا اليوم يوم آخر يظهر فيه تمييز المحسن عن المسيء و يظهر فيه الانتصاف للمظلومين من الظالمين و لم يحصل هذا البعث و الحشر لقدح ذلك فى كونه رحمانا رحيما.
ايّاك نعبد و ايّاك نستعين العبادة لغة الذلة يقال طريق معبد أي مذلل يكثره الوطء. قدم المفعول على الفعل للاختصاص بالعبادة له دون غيره و لو قال نعبدك و نستعينك لاحتمل شركة العبادة و الاستعانة بالغير و لذا كان تقديم المفعول ابلغ فيكون من باب قصر العباده عليه و الاستعانه على المستعين ذاته من نوع القصر الحقيقى او الاضافي الافرادي وللاشارة على ان العابد و المتقين لابد ان يكون نظرهما مرتبطا باللّه سبحانه. و فى النبوي اياك نعبد اخلاص للعبادة و اياك نستعين افضل ما طلب به العباد حوائجهم و قال الرضا عليهالسلام اياك نعبد رغبة و تقرب الى اللّه و اخلاص له بالعمل دون غيره و اياك نستعين استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما نعم اللّه عليه و نصره[36]. اما العبادة بحسب اللغة فقد ورد لعدة معانى: 1. بمعنى الطاعة كقوله تعالى «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُّبِينٌ »[37]. 2. بمعنى الخضوع و التذلل كقوله تعالى «فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ»[38] و فيها دلاله على معنى الخضوع و المذلة بمعنى كيف نخضع لبشرين مثلنا و قومهما خاضعون لنا و منقادون الينا ولكن المعنى الحقيقى للعبادة هو التذلل و الخضوع لاهليته و ما عداه من العبادة ليست حقيقية. 3 . بمعنى التأله كقوله تعالى «قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ »[39] و يكون المقصود من الآية انى امرت ان اكون عبدا و رقيقا لسلطان اللّه و قدرته و مملوكا له سبحانه لا اشرك به احدا.
اقسام الطاعة و بهذا المنطلق يمكن ان تقسم الطاعة الى اقسام.
1 ـ الطاعة المباشرية كما فى الآية السابقة بقوله:«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا» فان الحكم بالطاعه متوجه من للّه اولا كما انه امر بالطاعة للنبى صلىاللهعليهوآلهثانيا و أولي الامر ثالثاً وهو المعصوم عليهالسلام فكل امر يرد من الآمر على نحو الاستقلالية والموضوعية دون الطريقية فيكون أمره نحو المكلّفين عى نحو المباشرة دون الحكام الكاذبين فان اللّه بعيد عن ساحة عدله و رأفته على خلقه ان يامر بانقياد المظلوم للظالم و بعد ذلك يوقف الظالم امام محكمة العدل و ياخذ الحق منه و هو امر المظلوم بالطاعة إلاّ بناء على عدم الامتناع بتوجه الاوامر نحو غير المقدور كما عليه الجبريه و هو مما ينكره العقل و العرف و العادة والذوق السليم و على كل حال فان اللّه امر باطاعة هذه الاصناف الثلاث على نحو الوجود العرضى لبيان مقام التشريع و ان مثل هولاء الاصناف لهم حق الامريه و الزاجريه اذ الطاعة تشمل في مقام الاثبات و الاعدام لأنّ الزاجديه اعدام الطبيعة كالنهي عن شرب الخمر و ترك الزنا و ترك الافطار و عدم الدخول مجنبا فى المساجد كلها طاعات سواء كانت بالخطاب الايجابي ام بالخطاب التحريمي مرشدة هذه الآية الى ان هذه الاصناف الثلاثه من حقهم الامر والنهي دون غيرهم فان غيرهم لايستحق الفصل بين الحق و الباطل و ليس له حق المولوية و الطاعة.
2 ـ الطاعة الارجاعيه نقصد بالطاعة الارجاعية او العائدة ان الاوامر الّتي يحدثها النبى صلىاللهعليهوآله هى من نوع الامر بالامر امر و استناد من النبى صلىاللهعليهوآله الى امر اللّه و بالجملة ان اوامر النبى صلىاللهعليهوآله اما على نحو الموضوعية او على الطريقية و قد دلت الآية القرآنية على الطاعة الارجاعية بقوله تعالى «مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ»[40] و قوله تعالى «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ »[41] فان الآية الاولى كانت بمحضى الارجاع حيث ان أوامر النبي صلىاللهعليهوآله ولو جاءت على نحو الاستقلالية والموضوعية في الاية الأولى فهي بالمآل راجعة الى اوامر النهى لانه لاينطق عن الهوى و الثانيه ناظرة الى ان كل رسول فى تبليغه لمجتمعه فهو لاينطق عن تلقاء نفسه و انما اوامره على نحو الطريقية دون الموضوعية و يمكن ان نصطلح على مثل هذه الاوامر بالطاعة لانه ــــ كما يدل عليه قوله «وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً »[42].
3 ـ الطاعة الترتّبية (الطوليه) المراد بالطاعة الترتبية ان تكون اولا متوجهة الى شخص النبى صلىاللهعليهوآله ثم من بعده شخص الامام عليهالسلام او الولى ثم من بعده على اختلاف المقامات و الرتب فمثل الامر بالنوافل و بعض الاحكام فانها مختصه للنبى صلىاللهعليهوآله او الاباحة بالتزويج له باكثر من اربعة نسوة او توجه اوامر مرتبطة بالامام و توجيه النبى صلىاللهعليهوآله اليه الّذي لايتوصل غيره اليها او توجه الاوامر الى شخص الولي دون النبي كما حدث ذلك بين سيدنا الخضر مع النبى موسى عليهالسلام فانه سبحانه امر الخضر ان يكشف بعض الاوامر لمصلحة آلهيه لم يتوصل اليها موسى و انما هى لمقام الولى دون النبي او ان موسى عليهالسلام يعلم بالقلم الواقعى و ان ترآئى عدم العلم بحسب العلم الظاهرى للتنبيه على عرض المقامات العالية لبعض الاولياء لانه لامعنى لتصوير التبعيض فى ذات النبوة.
4 ـ ترك الطاعة لما عدا اللّه امر اللّه سبحانه ان تكون الطاعة متمثلة به و منصاعة اليه فان من يظهر المولويه لا طاعة له حقيقة و انما هو مجرد اظهار الآمريه و التعالي من غير علو حقيقي فقال سبحانه «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ »[43]. و قال سبحانه «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً »[44]. و قال فى الابتعاد عن اوامر الأبوين الكافرين «إِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا»[45]. هذا كله فى الاوامره الطاعات الالزاميه ولكن هناك طاعة خارجة عن اطار الالزام و انما هى تعطى الرجحان و المحبوبية فى ذات الخطاب فيسمى بالطاعة الاستحبابيه كالامر بالتصدق و الدعاء برؤية الدلال الهلال و الصلاة نافلة و الصوم فى غير ايام شهر رمضان و الحج الاستحبابى و ماشا كل ذلك. و ان كان سماحة الوالد قدسسره[46] انه يرى من الخطأ اطلاق الطاعة على العبادة فقال: وان العبادة الحقيقية لاتتوجه الا للمعبود الحقيقي وهو اللّه سبحانه و تعالى لأنّ العبادة يقومها امران احدهما ان العمل اداة الخضوع و التذلل و ثانيهما ان العمل يضاف الى المولى الحقيقي وكل عبادة لما سواه ليست عبادة حقيقية و يحرم ايجادها من الناس و ان كانت هى ضربا من الا دعاء و التجوز ثم قال قدسسره فمن قال ان العبادة هى الطاعة فقد اخطأ لأنّها غاية التذلل و نهاية الخضوع دون الطاعة فانها مرافقة الامر ألا تنظر أنّ العبد يطيع مولاه ولكن طاعته ليست من العبادة و الكفار يعبدون اصنامهم و لايطيعونها. والّذي يظهر من الوالد قدسسره انه يرى الاختلاف بين مفهومي الطاعة والعبادة و ان النسبة بينهما العموم من وجه.
مراتب العبادة ثم ان للعبادة مراتب: 1. مرتبه الاهلية و هى ان تكون العبادة لذاته و لمقام علوه و عظمته و محبوبيته كما قال الامام على عليهالسلام عبدتك لا خوفا من نارك و لا طمعا فى جنتك ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك[47]. 2. مرتبة التجار و المراد به ان العبادة منه لنيل الثواب و الحصول على المراتب العاليه امام عمله العبادى فهو نوع عمل يقابل بها فى عالم الآخرة. 3. مرتبه العبيد ونعني بها ان العبادة للخوف من النار فيقوم العبد بالعبادة خوفا لا طمعا و لا رجاء. ولا يخفى ان العبادة من الافعال الارادية الّتي يتحرك اليها من اجل باعث و محرك نحو ذلك الفرض و الداعي وربما يكون الداعي الثواب و ادخار الاعمال الصالحة فى دار الآخرة كما ورد فى قوله تعالى:«وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»[48]. و قوله تعالى: «وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الْصَّالِحَاتِ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»[49]. و ربما يكون الداعي الخوف فان الانسان فى بعض حالاته يحدد العصيان العصى فيكون المحرك له على الطاعة كما ورد فى قوله سبحانه «إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ »[50]. و قوله تعالى «إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً»[51]. و قد يكون العبادة لمحض الاهليه كما يدل على قوله تعالى «وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْـمُخْلَصِينَ »[52]. و هذه الآية كما اشار اليها اميرالمؤمنين عليهالسلام السابقة ولكن هذا لايمنع من صدق العبادة على الاولين و لايستلزم القول بالبطلان لكون الدافع هو الطمع او الخوف و من اللطف الالهى اكتفى من سائر العبيد بالطاعة الذكرية لقصور ذاتهم عن الطاعة الحقيقته الّتي تقضيه نفوسهم فى مقام الكمال و عدم النقص. و قد وردت الطاعة فى مقام التذلل و الخضوع لغير اللّه كما ورد فى قوله تعالى «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً »[53] فان مفاد هذه الآية الكشف عن اعطاء قيمة الوالدين و جعلهما فى¨ مقام السيادة و الهيمنة فى الادارة المنزلية والحياتية ليكتسب الولد تجارب ودروس من سلوكيات ابوية وكان مصدر هذه التربية الانكسار النفسي والخضوع لمقام الطاعة و التذلل امام أبوية حيث اذا احس الولد الكرامة و الرفعه و علو المقام قلت قيمته و قلت رحمته على ايوبيه و صار انانيا بسبب ذلك تفتت الاسرة و كيانها الترابطي فكان من الاسباب الجوهرية في ابقاء الحياة الاسرية و الدعوة الصالحه هو الانكسار و المذلة امام شخصية الابوين ولكن بعين ذلك نهى الولدان يكون ذليلا الى مقايسه مقدار الشرك باللّه «وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا» و فيها دلالة على ان المقصود نهى اطاعة الشيطان كما امر سبحانه باطاعة الرحمن بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »[54]. و كان مؤدى هذه الآية الرفض و عدم الاستجابه و الانصياع لاوامر الشرك و الكفر و انما الاستجابه فى حدود الايمان و التقوى و الرحمة. ثم قال سبحانه «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً »[55]. تجد هذه الآية تأمر بالانقياد و الطاعة لاوامر الوالدين و الاحسان اليهما فقد قارن مذلة الولد للابوين مع مذلة اللّه و الطاعة اليه لكى يرى الانسان له المقام المحمود عند اللّه و الجاه العظيم الّذي جعله صاحب الكرامة و الرفعه اذا كان فى طاعة اللّه. و ربما يكون الخضوع و التذلل مرضيا و مقبولا كالامر بالسجود على الارض و ابداء التذلل فان من صلى على سجاد او فرش لم يات بذلك التذلل و العبودية او الخضوع للنبى و التذلل اليه لأنّ اللّه قال «فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ»[56]. ولكن مذلة الشخص المسلم للنبى صلىاللهعليهوآله هو تكريم لمقام النبوة و ليست مذلة للشخص النبى صلىاللهعليهوآله ووجوده الخارجي اذ مذلة المؤمن للنبى صلىاللهعليهوآله تعظيم لمقام النبوة كما ان مذلة الشخص الامامي مذلة لمقام الامامة و ليس مذلة لشخص الامام عليهالسلام حيث قال سبحانه «عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ»[57].
اياك نستعين قال الامام الرضا عليهالسلام هى الاستزاده من توفيقه و عبادته و استدامته لما أنعم اللّه عليه و المراد بالاستعانه الاشعار بان المستعين ليس له القدرة الا بالمستعان و ارجاع امره اليه فى حوله و قوته و انه الآخذ بيده فى جميع شئونه و ادواره كاستعانة الاعمى بالبصير فى قوله يا رجل خذ بيدى و المريض بالصحيح فى قوله اجلسنى على جانبى فان من كان لاحول له و لاقوة يستعين بمن كان صاحب القدرة والقوة. و ذكر فخر الرازى[58] القائدة الاولى لقائل ان يقول الاستعانه على العمل انما تحسن قبل الشروع في العمل و ههنا ذكر قوله اياك نعبد ثم ذكر عقبيه و اياك نستعين فما الحكمة فيه. الجواب من وجوه: الاول: كأنه المصلى يقول شرعت في العبادة فاستعين بك في اتمامهما فلا تمنعى من اتمامهما بالموت و لا بالمرض و لا بقلب الدواعى و تغيرها. الثانى: كأن الانسان يقول يا الهى انى اتيت بنفسى الا ان لي قلبا يفر مني فاستعين بلساني احضاره و كيف و قد قال صلىاللهعليهوآله قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن فدل ذلك على ان الانسان لايمكنه إحضار القلب الا باعانة اللّه. الثالث: لااريد في الاعانة غيرك لاجبريل و لاميكائيل بل اريدك وحدك واقتدى فى هذه المذهب بالخليل عليهالسلام لانه لما قيد نمرود رجليه و يديه و رماه في النار جاء جبريل عليهالسلام و قال له هل لك من حاجة فقال اما اليك فلا فقال سله فقال حسبي من سؤالى علمه بحالي. و ذكر الوالد[59]: و الاستعانه بمعنى الفيض و المدد الآلهي فى ايجاد الكائنات و افعالهم فهي من خواصه سبحانه و تعالى و من توابع فاعليته وليس لمخلوقاته حتى الانبياء من ذلك شىء حظّ و نصيب فهو الموجد للاشياء و هو المبقي لها و هو العلة في الحدوث و البقاء. و اما الاستعانة بمعنى معونة بعض الناس لبعض كاعانة الأباء للأبناء والصديق للصديق و شفاعة بعض الناس من لبعض فهو يعم البشر و من ذلك الوسيلة والشفاعة من الانبياء عليهمالسلام فان اللّه يقبل الشفاعة ممن ارتضى من عباده كما صرحت به الآيات قال تعالى و لايشفعون الا لمن ارتضى. و ذكر[60] فالعبادة انما تكون عبادة حقيقيّة اذا كان على خلوص من العبد و هو الحضور الّذي ذكرنا و ثم قال قدسسره. و قد ظهر من ذلك كله ان اظهار العبودية بقوله: اياك نعبد، لايشتمل على نقص من حيث المعنى و من حيث الاخلاص الا ما فى قوله: اياك نعبد من نسبة العبد العبادة الى نفسه المشتمل بالاستلزام على دعوى الاستقلال في الوجود و القدرة و الارادة مع انه مملوك لايملك شيئا فكأنه تدرك ذلك بقوله تعالى و اياك نستعين اى انما ننسب العبادة الى انفسنا و ندعيه لنا مع الاستعانه بك لا مستقلين بذلك مدعين ذلك دونك فقوله اياك نعبد و اياك نستعين لابداء معنى واحد و هو العبادة عن اخلاص و يمكن ان يكون هذا هو الوجه فى اتحاد الاستعانه و العباده فى السياق و الخطابي حيث قيل اياك نعبد و اياك نستعين دون ان يقال نعبد اعنا و اهدنا الصراط المستقيم ثم نشير الى جانب آخر بان الاستعانه التكوينية مرتبط باللّه سبحانه و ان كان اطلاق الاستعانه بحسب المفهوم العام تطلق على الامور التشريعيه كما ورد فى قوله «وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ »[61]. و قوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى »[62]. و قوله تعالى: «قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ »[63]. و المراد بهذه الآية كما ورد عن الامام الرضاء عليهالسلام هو الاستزادة بالتوفيق على مثل هذه الامور العبادية و ان مجيىء هذه الافعال يحقق طريق الوسطية انه لا جبر و لا تفويض كما ورد عن الامام عليهالسلام لا جبر و لا تفويض بل امر بين امرين. ويقول استاذ الخوئى قدسسره فى هذه المسأله وهذا هو القول الّذي يقتضيه محض الايمان فان الجبر يلزمه ان يكون العقاب على المعاصي عقابا للعبد من غير استحقاق و هذا ظلم بين «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً»[64] و ان التفويض يلزمه القول بخالق غير اللّه فان معناه ان العبد مستقل فى افعاله و انه خالق لهما و مرجع هذا الى تعدد الخالق و هو شرك باللّه العظيم و الايمان الحق باللّه هو الحد الوسط بين الافراط و التفريط[65]. و يتلخص من ذلك كله ان العبودية على نحو الوجود الحقيقي لانتم الا بنحو الخضوع و التذلل الى من له اهلية الخضوع فمن كان مستعليا كالظغات والمردة الذين يجعلون انفسهم فى مقام الربوبية لايستحقون العبادة و انما هم دعاة باطل قد وضعوا انفسهم فى غير محلهم و مجرد الا دعاء و التنزيل لايقلب الحقيقة و الواقع هذا مع انهم من الوجودات الفقرية و طروء الحوادث و التغييرات عليهم فيمتنع في حقهم ذلك الإدعاء المزعوم. ويكون التعبير بإياك نعبد اي نخص العبادة لك دون ما عداك على نحو الاخلاص في العبادة وعدم الا شراك مع غيرك ظاهرا و باطنا و ان الطاعة تقترن مع ظرف الامتثال و الانقياد و ان النسبة بين الطاعة و العبادة العموم من وجه دون التباين الكلى و ان ملكيته سبحانه تامة غير قابلة للتبعيض و التجزئة و انه السلطان المطلق فيستحق العباده لذاته و لما كان له السلطنة العامه و الهيمنة الشاملة والملكية الحقيقية فلايمكن ان ينفصل المملوك عن الملكية و لو آناً ما بخلاف الملكية الاعتبارية فان من دخل فى ملكية مورثه يخرج آناً ماينعتق بقاء عليه ولكنه بالنسبة لملكية اللّه لمخلوقاته لايمكن هذا الفرض و لو على نحو الاحتمال لحصول العلاقة بين المالك و الملك على نحو ارتباط المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي وعلاقة الظل لذي الظل و الاثر مع المؤثر. اما الاستعانة فتارة ينظر اليها مرتبطه بالواجب و اخرى مرتبطة بالممكن فان كانت الاستعانه من نوع ارتباط الممكن بالواجب فهو طلب الممدد والعون في الفيض و الوجود و يكون ارتباط اياك نعبد مع الاستعانة ان العبادة لما كانت بمعنى الخضوع لمن له اهلية الخضوع يكون طلب العون على وفق تلك الاهلية بان يمده القدرة و الاستمرارية فى اداء كل واجب و كل عمل اصلاحي لحصول التناسب بين الاهلية و مجرى الفيض في الوجود للحصول على القدرة و الممدد الّذي بيده كل شىء فتكون علاقة الاهلية مع الممدد الآلهي على نحو تناسب المقتضي مع المقتضى و الحكم مع موضوعه و ما ذكره الميزان من اثبات العلاقة و الرابطة بين اياك نعبد و هو انتساب العبادة لانفسنا و ندعيه لنا مع الاستعانة بك لامستقلّين[66]، لا نرى له وجه علاقة مقبولة. و انما العلاقة بين الامور التشريعية و هى اياك نعبد و اياك نستعين الدالة على الامور التكوينيه فيكون المؤدى ان العبادة مختصة بك يا رب دون غيرك و قوّنا على مواصلة السير في هذه العبادة بمعنى الخصوصيه الّتي تناسب ذاتك و اهليتك فتكون المناسبة حاصلة بين المقتضي بالكسر و المقتضى بالفتح. و على هذا فان الاستعانة مرجعها الى الوجود التكويني وليست بمعنى الشفاعه الّتي هى عبارة عن جعل الشفيع واسطة فى مقام اثبات الحكم القانوني على المشفع عليه لاجل التخفيف و ليست الشفاعه من مصاديق الاستعانة وانما الاستعانة قائمة على الوجود التكويني كما يقال اعنّي على القيام يرحمك اللّه خلافا لما يبدو من سماحة الوالد قدسسره في تفسيره العقل البشرى[67] لأنّ الوالد قد صنف الاستعانه بمعنى الفيض و الحمد و بمعنى معونة شخص لشخص آخر بينما الاستعانة معنى واحد و هى جعل الحول و القوة بالوجود التكويني وانما تختلف من حيث المتعلق و الاضافة فانه بالقياس الى الواجب بمعنى الفيض و الحمد و بالقياس الى الممكنات بعضها مع بعض المعونة و الاستناد لقوة الفاعل و مرجع الكل الى الوجود التكويني الا ان يقال بان الوجود التكويني فى مقام الفيض و الممدد في الوجود يختلف عن المعونه و الاستناد فى ناحية قوة الفاعل فان الاول بمفاد كان التامة و الثانية بمفاد كان الناقصة.
اهدنا الصراط المستقيم الهدايه طلب التوفيق كما ورد في اللغة الهداية بمعنى التوفيق او بمعنى ان الهداية هي الدلالة على شىء و لذا يقال لمن يتقدم القوم و يدلهم على الطريق هاد اى دال مرشد و الهداية التوفيق بلطف و في المرتضوى اهدنا ثبتنا[68]. هداية اللّه تعالى تتنوع انواعا لايحصيها عدّ لكنها تنحصر فى اجناس: الاول: إفاضة القوى و الحواس لجلب النفع و دفع الضرر اعطى كل شىء خلقه ثم هدى. الثانى: نصب الدلائل الفارقة بين الحق و الباطل و هديناه النجدين. الثالث: ارسال الرسل و اما ثمود و فهديناهم. الرابع: ازالة الغواشي البدنيه و اراءة الاشياء كما هى بالوحى و الالهام أو المنام الصادق و الاستغراق فى ملاحظه جمالة و جلاله و هذا يختص به الانبياء و الاولياء و نحوهم اولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده. قيل[69] فى معنى اهدنا وجوه: احدهما: ان معناها ثبتنا على الدين الحق لأنّ اللّه تعالى قد هدى الخلق كلهم الا ان الانسان قد يزل و ترد عليه الخواطر الفاسدة فيحق ان يسأل اللّه تعالى ان يثبته على دينه و يدمر عليه و يعطيه زيادات الهدى الّتي هى احدى اسباب الثبات على الدين كما قال اللّه تعالى:«وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً» و هذا كما يقول القائل لغيره و هو ياكل كل اى دم على الاكل. و ثانيهما: ان الهداية هي الثواب لقوله تعالى «يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ» فصار معناه اهدنا الى طريق الجنة ثوابا لنا و يؤيده قوله الحمدللّه الّذي هدانا لهذا. ثالثها: ان المراد ودلنا على الدين الحق في مستقبل العمر كما دللتنا عليه فى الماضي ويجوز الدعاء بالشىء الّذي يكون حاصلا كقوله تعالى «قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ» و قوله حكاية عن ابراهيم عليهالسلام و لا تخزني يوم يبعثون و ذلك ان الدعاء عبادة و فيه اظهار الانقطاع الى اللّه تعالى. انه[70] ذكر المفسرون ان من يطلب الهدايه من اللّه لابد و ان يكون فاقدا لها فيكف بطلبها المسلم الموحد فى صلاته و اجابوا عنه بوجوده. 1. ان يراد بالهدايه الاستمرار عليها فبعد ما منّ اللّه تعالى على المصلي بهدايته الى الايمان يطلب منه الاستمرار و الثبات على هذه النعمة لئلا تزل له قدم بعد ثبوتها. 2. ان يراد بالهداية الثواب فمعناه اهدنا طريق الجنة ثوابا لنا. 3. ان يراد بالهداية زيادتها فان الهداية قابلة للزيادة و النقصان فمن كان واجدا لمرتبه منها جاز أن يطلب مرتبة اكمل منها. و الّذي يظهر من هذه المعانى الّتي تطرق اليها السيد عبداللّه شبّر في تفسيره الجوهر الثمين و الطبرسي فى مجمع البيان هي من اللوازم و الاثار المتعلقه لطبيعة الهداية و ليست من نوع المعنى الحقيقي والمدلول المطابقي لمعنى الشىء و ذاته و انما هي من الامور الاستحسانية ولكن الاقرب الى المعنى هو الدلالة على الشىء كما يقال هو الادلاء على الحق و الطريق عليه كما يدل عليه لغة فان الهداية هي الارشاد و الدلالة على الشىء و الّذي نلاحظة من مجموع هذه الا راء انه كما اشرنا معبّرة عن لوازم الهداية ثم ان الهداية قد تكون تشريعية وقد تكون تكوينية و المراد بالتكوينه هى تلك القوة المودعه في طبيعة كل كائن حي او جماد او نبات فبالنسبة الى الجمادات و النبات فيسير نحو كمالها من مرحلة استعدادها الى مرحلة فعليتها و بالنسبة للحيوانات من حيث وجودها التكويني فكذلك و بالنسبة الى غرائز وطبائعها فان اللّه اعطى كل حيوان قوة و غريزة الّتي بها يهتدى الى بناء نوعه او اوجد اللّه فيها غريزه الخوف و الاحتفاظ على حياتها و اعطائها طرق دفاعيهلاجل ايقاف الهجمات من قبل الحيوان المفترس كما في قوله تعالى «قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»[71]. و المراد بالتشريعيه هى ادراك الانسان بفطرته و غريزته بانه مخلوق لاجل غرض و انه لايمكن ان يدبر شئونه الاجتماعيه الا من خلال مربي يدرك مكنون حياته و طبائعه و حالاته لم يقتبس نظاما من خلال تحارب او عادات و انما استخرج القانون من الفضائل الكائنه فى نفسية الانسان و ان ذلك المربي هو النبى و الرسول المصلح لعامة البشريه و يقابل الهداية العامة الهداية الخاصة و هى الّتي يمنحها اللّه لبعض الوجودات التكوينه من باب اللطف الآلهى. فقال سبحانه: «فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ »[72]. و قال سبحانه: «قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ »[73]. و قال سبحانه: «لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ »[74]. و قال سبحانه: «وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »[75]. و على ضوء هذه الآيات و غيرها يظهر ان للّه هدايتنان عامة و خاصة و ان بعضها يختصّ به من يشاء من عباده لاستعداد نفسه و تقبله لتلك الهدايه الخاصه الّتي ربما لا يمكن للغير تقبلها لعدم الاستعداد و ضعف النفس و ذكر الطباطبائى فى الميزان فى تعدد الهدايه الى الامور[76]. احدهما: ان الطريق الى اللّه مختلفة كمالا و نقصا و غلائا و رخصا في جهة قربها من منبع الحقيقة و الصراط المستقيم كالاسلام و الايمان و العبادة و الاخلاص كما ان مقابلاتها من الكفر و الشرك و الجحود و الطغيان و المعصية كذلك قال سبحانه «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ»[77]. وثانيهما انه كما ان الصراط المستقيم يهيمن على جميع السبل فكذلك اصحابه الذين مكنهم اللّه تعالىمنه تولى وولاهم هداية عباده حيث قال:«وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »[78]. و ثالثهما: ان الهدايه الى الصراط يتعين معناها بحسب تعين معناه و توضيح ذلك ان الهدايه هى الدلالة على ما في الصحاح و فيه ان تعديتها لمفعولين لغة اهل الحجاز وغيرهم يعدونه الى المفعول الثاني وقوله هو الظاهر و ما قيل ان الهداية اذا تعدّت الى المفعول اللّه بنفسها فهي بمعنى الايصال الى المطلوب و اذا تعدت بإلى فبمعنى ارائة الطريق مستدلاً بنحو قوله تعالى «إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ»[79]. حيث ان هدايته بمعنى ارائة الطريق ثابته فالمنفي غيرها و هو الايصال الى المطلوب قال تعالى «وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً»[80]. و بالجمله فالهداية هو الدلالة التامة بارائة الطريق و هى نحو ايصال الى المطلوب و انما تكون من اللّه سبحانه و سنته سنة الاسباب بايجاد سبب ينكشف به المطلوب و يتحقق به وصول العبد الى غايته فى سيره و قد بينه اللّه سبحانه «فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلاْءِسْلاَمِ »[81]. و رابعها: ان الصراط المستقيم لما كان امرا محفوظا فى سبل اللّه تعالى على اختلاف مراتبها و درجاتها صح ان يهدى اللّه الانسان اليه و هو مهدى فيهديه من الصراط الى الصراط بمعنى ان يهديه الى سبيل من سبله ثم يزيد فى هدايته فيهتدى من ذلك السبيل الى ما هو فوقها درجة كما ان قوله تعالى اهدنا الصراط (و هو تعالى يحكيه عمن هداه بالعباده) من هذا القبيل[82]. و بعد ان لقن اللّه عبيده ان يعترفوا بين يديه بالتوحيد في العبادة والاستعانه لقنهم ان يطلبوا منه الهداية الى الصراط المستقيم و قد اشتملت هذه السورة الكريمة في بدايتها على تمجيد اللّه سبحانه و الثناء عليه بما هو اهله و اشتملت فى نهايتها على سؤال الهداية منه و بين تلك البداية وهذه الخاتمة انزل اللّه تعالى قوله اياك نعبد و اياك نستعين فهو نتيجة للتمجيد السابق و توطئة للسؤال اللاحق فان في التمجيد السابق ملاك حصر العبادة و الاستعانة به تعالى فالمستحق للعبادة انما هو اللّه بذاته و برحمته و سلطانه و غيره لايستحق ان يعبد او يستعان به، و ان كانت العبادة و الاستعانه منحصرتين باللّه سبحانه فلا مناص للعبد من ان يدعو ربه الّذي حصر عبادته و استعانته به و من هنا ورد عن الطريقين ان اللّه تبارك و تعالى قد جعل هذه السورة نصفين نصف له و نصف لعبد فاذا قال العبد الحمد للّه رب العالمين يقول اللّه تعالى مجدنى عبدى و اذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال اللّه تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.[83] و يبدو من السيد الاستاذ قدسسره جعل العلاقة بين العبادة و الاستعانة وبين الهداية جعل علاقة بينهما و بين تمجيد اللّه و ان السورة منقسم الى قسمين نصف له و نصف لعبده بل الحقيقه على خلاف ذلك حيث اشرنا الى ان الحمد لايطلق الامن يعرف الحمد و انما اطلاق الحمد على اللّه من قبل غير العارف فالحمدللّه رب العالمين و ما بعده الى الهداية هى وحده العلاقة والموضوع، واما علاقة العبادة و الاستعانه فهي علاقة تشريع بتكوين و اما الهداية فهو طلب من اللّه ان يجعله على الطريق الحق و الوصول على خط الرشاد فى اصلاح اعماله و استقامتها لأنّ يكون نتيجه اعماله الصالحة الاستقامة و الهداية الحقة. الفائدة الاولى[84] لقائل ان يقول المصلى لابد و ان يكون مؤمنا و كل مؤمن مهتد فالمصلي مهتد فاذا قال اهدنا كان جاريا مجرى ان من حصلت له الهداية فانه يطلب الهداية فكان هذا طلبا لتحصيل الحاصل و انه محال و العلماء اجابوا عنه بوجوه. 1. ان العلماء بينوا ان فى كل خلق من الاخلاق طرفي تفريط و افراط و هما مذمومان و الحق هو الوسط و يتأكد ذلك بقوله: وكذلك جعلناكم امة وسطا ـ و ذلك الوسط هو العدل و الصواب فالمؤمن بعد ان عرف اللّه بالدليل صار مؤمنا مهتديا اما بعد حصول هذه الحالة فلابد من معرفة العدل الّذي هو الخط المتوسط بين طرفي الافراط و التفريط في الاعمال الشهوانية و في الاعمال الغضبيّة وفي كيفية انفاق المال فالمؤمن يطلب من اللّه تعالى ان يهديه الى الصراط المستقيم الّذي هو الوسط بين طرفي الافراط و التفريط في كل الاخلاق وفي كل الاعمال. 2. ان المؤمن اذا عرف اللّه بدليل واحد فلا موجود من اقسام الممكنات الا و فيه دلائل على وجود اللّه و علمه و قدرته ووجوده و رحمته و حكمته و ربما صح دين الانسان بالدليل الواحد و بقي غافلا عن سائر الدلائل فقوله اهدنا الصراط المستقيم ـ معناه عرفنا يا الهنا ما في كل شىء من كيفية دلالته على ذاتك و صفاتك و قدرتك و علمك. القول الثانى فى تفسير اهدنا: أي ثبتنا على الهداية الّتي و هبتها منا و نظيره قوله تعالى: «رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا» على الهداية فكم من عالم وقعت له شبهة ضعيفه في خاطره فزاغ و ذل و انحرف عن الدين القويم و المنهج المستقيم. ولكن ما اشار اليه: الفخر في الفائدة الاولى من القياس المنطقي غير تام صغرى وكبرى اما الصغرى لانه لا ملازمة بين الصلاة و الايمان بالمفهوم الخاص كما أنّ الكبرى غير مسلمة فانه ليس كل مؤمن مهتد لانه ربما يكون مهتديا و ليس مؤمنا و بالمفهوم الخاص لأنّ النسبة بين الايمان و الاهتداء العموم من وجه اذا اخذنا الايمان بالمفهوم العام دون الخاص.
صراط يراد بالصراط الطريق كما ورد في قوله تعالى، «وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ» و قد ورد ان معنى الصراط الاهتداء الى سلوك الانبياء عليهمالسلام وقد ذكر ذلك[85] بقوله فالمراد: اهدنا الصراط المستقيم هو الاقتداء بانبياء اللّه في الصبر على الشدائد و الثبات عند نزول البلاء. و بالجمله ان الصراط تارة يراد بحسب اللغة هو الطريق الحسي واخرى يراد به الطريق المعنوي وهو عباره عن التوقّي واخذ الحيطة كما يقال «احتط لدينك» واطلاقه على الطريق المحسوس اما لعموم المعنى اللغوى كما اشرنا اليه او لاجل التشبيه و الاستعارة. و ورد فى تفسير الثعلبى مسندا عن ابىبرده قال فى معنى الصراط المستقيم هو صراط محمد صلىاللهعليهوآله و اهلبيته عليهمالسلام و التعوذ عن صراط من غضب من اليهود و المشركين من العرب و صراط الضالين كالنصارى. وذكر فى تفسير[86] وان الصراط المستقيم اذا سار عليه الانسان هو صراط الانبياء و الصديقين و الشهداء و هو الصراط الاكمل من العقائد في توحيد الذات و الصفات و الافعال و العبادة و فى تطبيق العمل من العمل الصالح بالاخلاق الشرعية والوظائف الّتي جعلنا الشارع على وفق الاخلاق الفاضله و الكمالات النفسيّة وان السبل الى الصراط كثيرة. ثم قال سماحة الوالد قدسسره و الصراط المستقيم يراد به هنا الطريق الوسط و هو في علم الاخلاق الصفة الّتي هى وسط بين الوقوع فى الشهوات و غيرها و بين الجمود و البخل و غيرها و الحكمه و هى الوسط بين الجهل والقباوة والبلادة و بين المكر و الخداع و الاحتيال و الطيش فى الآراء و العدل و هو المساواة بين هذه الامور و اذا قام الانسان على الصراط الحقيقي توجهت نفسه الى المقام الشامخ الرفيع و تنزهت نفسه عن الدرجات النازلة والاخلاق الذميمة. و على ضوء ما تحدث به الروّاد حول كلمة الصراط فاما ان ناخذه بالمفهوم اللغوي وهو الطريق و اما يراد به الطريق العملي في تطبيق احكام اللّه و هي معنى الخلق الفاضلة الّتي كشفها الشارع بلسان التشريع و الصيغة القانونية لأنّ الاحكام الشرعيه متشرعة من فضائل الانسان و طبائعه الكامنة فى عمق ذاته فالصراط ليس مطلق الطريق بل الطريق الّذي فيه استقامة و اعتدال و هو طريق الحق دون الضلال و طريق السعادة دون الشقاء و طريق السلامة دون المخاطر و طريق الرشاد و الإصابة دون الاخطاء فالطريق الّذي جاء به النبى صلىاللهعليهوآله و اهلبيته عليهمالسلام هم معنى الطريق الوسط و طريق اعتدال الصفات المتمثل بعدم الافراط و التفريط. و قرأ ابن كثير بالاصل و حمزه بالاشمام و الباقون بالصاد و هي لغة قريش و الصراط المستقيم طريق الحق او دين الاسلام او كتاب اللّه. و في النبوي صلىاللهعليهوآله اهدنا الصراط المستقيم صراط الانبياء و هم الذين انعم اللّه عليهم. الصادقي عليهالسلام وروى انه كتاب اللّه وفي العباد في انه اميرالمؤمنين ومعرفته، و فيه واللّه نحن الصراط المستقيم و في آخر هو الطريق الى معرفة اللّه و هما صراطان صراط في الدنيا و صراط فى الآخرة فاما الصراط فى الدنيا فهو الامام المفترض الطاعه من عرفه في الدنيا واقتدى به مرّ على الصراط الّذي هو جسر جهنم في الآخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم. و عنه عليهالسلام في وصفه الف سنة صعود و الف سنة هبوط و الف سنة حدال[87]. و سئل عليهالسلام عن الصراط فقال هو ادق من الشعر وأحد من السيف فمنهم من يمر عليه مثل البرق و منهم من يمرّ عليه مثل عدو الفرس و منهم من يمر عليه ماشيا و منهم من يمر عليه حبوا و منهم من يمر عليه متعلقا فتاخذ النار منه شيئا و تترك منه شيئا[88]. و ذكر[89] والصراط المستقيم لامحالة ليس هو الطريقين الآخرين من الطرق الثلاث اغنى طريق المغضوب عليهم و طريق الضالين فهو من الطريق الاول الّذي هو طريق المؤمنين غير المستكبرين الا ان قوله تعالى «يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»[90] يدل على ان نفس الطريق الاول ايضا يقع فيه انقسام.
المستقيم يراد من الاستقامة تارة بحسب وجودها التكويني والوجود الخارجي كاستقامة البناء و استقامة الطريق بمعنى عدم انحرافه عن الخط الهندسي واخرى يراد بها الجانب التجريدي والامر المعنوي. اما المعنى في الآية هو طلب الاستقامة بحسب الامر المعنوي الموصل الى الجانب المادي وهو العبور على طريق الصراط كما ادلت به الروايه. و المراد بالامر المعنوي هو التمسك بالنظام المجعول من الانبياء لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله و اهلالبيت عليهمالسلام فان من جاء بالاحكام الشرعية و طبقها على وفق رأى المعصوم عليهمالسلام صار في دور الاستقامة و عدم الاعوجاج لأنّ النظام التشريعي فى تطبيقه ياخذ بالانسان الى الجانب الاخلاقي فى اعتدال الصفات الحسنة و ترك الافعال القبيحة و هذه كما اشرنا اليها منتزعة من واقع الانسان وفطرته و يدل على ما قلناه ما ورد في المعاني عن الصادق عليهالسلام قال هى الطريق الى معرفة اللّه و هما صراطان صراط الدنيا و صراط فى الآخرة فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الّذي هو جسر جهنم في الآخرة و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه في الآخرة فتردّى في نار جهنم. و ذكر الاستاذ[91] ـ الاستقامة ـ الاعتدال و هو ضد الانحراف الى اليمين او الشمال و (الصراط المستقيم) هو الصراط الّذي يصل بسالكه إلى النعيم الابدي وإلى رضوان اللّه و هو ان يطيع المخلوق خالقه و لا يعصيه في شىء من اوامره و نواهيه و ان لا يعبد غيره و هو الصراط الّذي لاعوج فيه. قال اللّه تعالى: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ »[92]. قال اللّه تعالى: «وَهذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً »[93]. قال اللّه تعالى: «إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ »[94]. قال اللّه تعالى: «وَأَنِ اعْبُدُونِي هذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ »[95]. قال اللّه تعالى: «وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»[96]. قال اللّه تعالى: «وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَتَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ»[97]. و بملاحظه هذه الآيات يمكنك تصنيفها الى ما ذكرنا من ارجاع الاستقامة تارة الى الوجود الخارجي التكويني و اخرى الى الوجود التجريدى المعنوي فمثل «وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ» يراد به الاستقامة على وفق الجانب التشريعي وتطبيق احكام اللّه الّتي جاء بها من قبل الدعاة إلى الحق والأدلاّء على اللّه و كذا في الآيات الاخرى فى قوله تعالى: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» او قوله: «صِرَاطِ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» فيها الدلالة على القدرة و ان طريق الوصول الى اللّه هو الاستظهار من خلال اشارة وآثاره وتجليّاته في مخلوقاته لإظهار عظمته و كبريائُه.
صراط الذين انعمت عليهم نستوضح من هذه الآية ان طريق الّذي انعم عليهم هم الادلاّء على الحق و الرشاد كما ورد عن السجاد عليهالسلام قال ليس بين اللّه و بين حجته حجاب و لا للّه دون حجته ستر نحن ابواب اللّه و نحن الصراط المستقيم و نحن عيبة علمه ونحن تراجمة وحيه و نحن اركان توحيده و نحن موضع سره. و عن ابن عباس فى قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» قال قولوا معاشر العباد ارشدنا الى حب محمد صلىاللهعليهوآله و اهلبيته عليهمالسلام ـ ثم ان هناك اتجاه آخر على نحو الشمولى للانبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين قوله تعالى «وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »[98]. فقد انطوت هذه الآية على الشموليه للصديقين و هم المؤمنون و ألحقوا بالشهداء و الى ذلك جاء في قوله تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ »[99]. فيكون اصحاب الصراط الستقيم هم الذين اخلصوا للّه و اطاعوا احكامه و طبقوا شرائعه و انقطعوا للّه في جمع اعمالهم مبتعدين عن الشرك و الكفر و الطغيان منهم درجات عنداللّه و المكان الرفيع و المقام الشامخ. و عن الصادق عليهالسلام صراط الذين انعمت عليهم يعنى محمد صلىاللهعليهوآلهاو ذريته عليهمالسلام. فذكر[100]: والانعام ايصال النعمة و هي في الأصل مصدر بمعنى الحالة المستلذه و تعذر حصرها و ان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها ثمانية انواع اما دنيوي موهبي روحاني كافاضة العقل او جسماني كخلق الاعضاء. و اما دنيوى كسبي روحاني كتحليه النفس بالاخلاق الزكية او جسماني كتزيين البدن بالهيئات المطبوعة و اما اخروي موهبي روحاني كغفران ذنب من لم يتب او جسماني كانهار العسل. و اما اخروى كسبي روحاني كغفران ذنب التائب او جسماني كما للذات الجسمانيه المستجابه بالطاعات. و هناك اتجاه ثالث كما يحدثنا به[101] فى الفائده الثانية: قوله: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم ـ يدل على امامة ابى بكر رضىاللهعنهـ لانا ذكرنا ان تقدير اللّه اهدنا صراط الذين انعمت عليهم و اللّه تعالى قد بيّن في الآية اخرى اخرى ان الذين انعم اللّه عليهم من هم فقال «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ» ولاشك ان راس الصديقين و رئيسهم ابوبكر الصديق رضىاللهعنه: فكان معنى الآية ان اللّه أمرنا ان نطلب الهداية الّتي كان عليها ابوبكر الصديق و سائر الصديقين ـ و لو كان ابوبكر ظالما لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرناه دلاله هذه الآية على امامة ابيبكر رضىاللهعنه. ان مثل هذا استدلال لا يتناسب مع افق الآية و ظهورها سواء كان بالنسبة لسورة الحمد او سورة النساء رقم 68. و بيان ذلك ان ما قدم الفخر من الآية الثانية لا تكون شاهداً على اثبات دعواه فان كلمة الصديقين هم المؤمنون و كون لهم رأيس محتاج الى دليل روائى شاهد من آية و كلاهما مفقودان هذا مع ان عطف الصديقين على الانبياء عليهمالسلام يراد به التناسب الطبعي فيكون المؤمن الحقيقي من قصد به الامام في انطباقه على من كانت ذاته مستعدة لوعاء العلم و الترجمان الحقيقي لوحي اللّه. او يراد من الصديقين و الشهداء المراحل العرفانية وهي الّتي تتناسب بين أفق النبوة وأفق الامامه ثم أنبأ من هذه الآية الواضحة الدلالة على وجود إمامة علي في قوله تعالى «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»[102] و كان المعطي للزكاة في حال سجوده هو الامام علي عليهالسلام و قد قرن اللّه الولاية للّه و الرسول صلىاللهعليهوآله و لمن اعطى الزكاة راكعا. بالاضافة الى الاخبار الكثيره كما ذكر[103] على بن محمد الواسطي الجلالي الشافعي المعروف بالمغازلي في حديث 67 انا و هذا حجة على امتي يوم القيامة و عن انس قال كنت عند النبى صلىاللهعليهوآله فرأى معتلا مبتلا فقال انا و هذا حجة على أمتي يوم القيامة. فانظر الى دور المقارنة بين خط النبوة و خط الامامه و ليس النبى صلىاللهعليهوآله يتكلم اعتباطاً وانما يتكلم على اسس و مبدأ و قانون وسنن فكيف يصح تصور الانفصال بين الخطين كما جاء فى بدايه الآية ان اللّه مالك يوم الدين فلابد ان يكون هناك من يقيم الحجة من طرف النبوة كما لابد ان يقيم الحجة من طرف الامامه فهما خطان يلقيان فى نقطة الجزاء في يوم الدين. كما انه ورد دور المقارنة بين ثقل الكتاب و ثقل العترة اللذان هما القاعدة الاساسيه فى اثبات دعامة الاسلام فالكتاب مصدر اساسي للتشريع والامامة اللسان الناطق و المترجم للكتاب و هم المخاطبون من قبل الكتاب فقال رسولاللّه صلىاللهعليهوآله انى تارك فيكم ثقلين ـ كما ورد فى صحيح مسلم في فضائل الصحابه باب فضائل علي بن ابي طالب ط بولاقا عام 1390 و روى مسلم ان قائلا قال لابن ارقم نساء النبى صلىاللهعليهوآله من اهله بيتى ـ قال وأيم اللّه ان المرأة تكون مع الرجل ثم يطلقها فترجع الى امها و ابيها ان اهلبيته اصله و عصبته الذين تحرم عليهم الصدقه بالاضافة الى الآيات الدلالة على امامة عليهالسلام كما في قوله تعالى «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً...» فان اكثر رواد التفسير ان هذه الآية نزلت فى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام لتذكير ضمير عنكم و يطهركم ـ اخرج عن ابي سعيد الخدرى قال انّها نزلت فى خمسة النبى صلىاللهعليهوآله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين[104]. و قوله تعالى: «وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ». اخرج موفق بن احمد الخوارزمى عن زاوان عن على رضىاللهعنه قال تفترق هذه الامة على ثلاثة و سبعين فرقة اثنتان و سبعون في النار و واحدة في الجنة وهي الذين قال اللّه عزوجل فى حقهم ـ الآية و هم انا و محمد و اتباعي. وقوله تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى». اخرج ابونعيم الحافظ عن عون بن ابي جحيفة عن ابيه عن على كرم اللّه وجهه قال في هذه الآية اهتدى الى و لا يتنا ايضا اخرجه الحاكم بثلاثة طرق[105]. و قوله تعالى «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ». في المناقب في تفسير مجاهد ان هذه الآية نزلت في اميرالمؤمنين علي عليهالسلام حين خلفه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بالمدينة فقال يا رسول اللّه تخلفني على النساء و الصبيان فقال اما ترضى ان تكون مني بمنزله هارون من موسى حين قال موسى اخلفنى فى قومى و اصلح ـ والحمويني بسنده عن سليم بن قيس الهلالي ـ المصدر السابق. و المهم ان مثل هذه الآيات و غيرها من قوله: «لاينال عهدى الظالمين» فان من تلبس بالظلم كعبادة الصنم لا ينال عهد الامامة الّتي من المناصب السماوية و لا يمكن ان يجمع بين من تلبس بالظلم و لو آنا ما و المنصب الديني بالاضافة الى وضوح تلك الآيات و تظافر الروايات و على الانسان ان لا يكون متعصبا و يقدم ادلة لا دليل عليها غير التعصب و اخراج الآية عن ظهورها و تنزيلها كاية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» و جعلها متقطقه في المائدة ولم يحفظ لها ورودها في محل تنزيلها حيث كانت في آخر حجة و هى حجة الوداع و سوف نتعرض الى هذه الآية في محلها ان نشاء اللّه تعالى. اقسام النعمة يمكن ان نتصور للنعمه اقساماً: 1. نعمة الدين فان من كان فاقدا للدين و غير ملتزم بشريعة المسلمين فانه محروم من تلك النعمة و هي نعمة الاسلام او الالتزام بالدين على نحو المفهوم الكلي او يراد بالدين بالمفهوم الخاص و هو الاسلام و هو نعمة الاسلام. 2. نعمة الايمان ولايخفى ان نعمة الايمان هو ولاية اهلالبيت عليهالسلام فان من كان فاقداً للولاية غير معترف بها كان فاقداً للنعمه و محروما من تلك الشفاعة الّتي يترجاها الموالى لعلي عليهالسلام و اهلبيته فان من كان مسلما و لم يعترف بالولايه فلا تقبل اعماله كما ورد في قوله عليهالسلام بني الاسلام على خمس الصلاة و الصوم ـ و منها الولايه. 3. شمول النعمة لكل ما انعمه اللّه[106] ـ و هذه النعمة اما ان يكون المراد منها نعمة الدنيا او نعمة الدين و لما ابطل الاول ثبت ان المراد منه نعمة الدين فتقول كل نعمة دينية سوى الايمان فهي مشروطة بحصول الايمان و اما النعمة الّتي هي الايمان فيمكن حصولها خالياً عن سائر النعم الدينيه. 4. نعمة العلم فان من كان جاهلا كان فاقداً لنور العلم والانكشاف وحقيقة العلم ان يوخذ من معدنه و مصادر ينبوعه و ان كان العلم يطلق على عدة معاني و مفاهيم كالعلم بالهندسة والصناعة و الحرف و ما يصطلح عليه في عصرنا بالعلوم التكنلوجيه فان الانسان مهما بلغ من عزو الفضاء و ارتقاء سلم المعرفة من خلال المحسوسات فانه اذا لم ياخذ المعرفة الحقّه من مكتب اهلالبيت عليهمالسلام ذاته يبقى ضائعا تتعاذفه الامواج و الاهواء لعدم ركونه تحت قاعدة وانما يصبح فى متاهات فعليك ايها الاخ المسلم ان لاتاخذ بالعصبية و تترك ولاية اهلالبيت عليهمالسلام الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فان العلم قسمان علم ابدان و اجسام و علم اديان و العالم بكلا القسمين هما من خاطبه القرآن. و تعرض الفخر[107]ـ اما قولنا المنفعة فلان المضرة المحضة لاتكون نعمة و قولنا المفعولة على جهة الاحسان لانه لو كان نفعاً حقاً و قصد الفاعل به نفع نفسه لا نفع المفعول به لا يكون نعمة و ذلك كمن احسن الى جاريته ليربح عليها. اذا عرفت حد النعمة فيتفرع عليه فروع الاول: اعلم ان كل ما يصل الى الخلق من النفع و دفع الضرر فهو من اللّه على ما قال تعالى و ما بكم من نعمة فمن اللّه ـ ثم ان النعمة على ثلاثة اقسام: أ. نعمة تفرد اللّه بايجادها نحوان خلق ورزق. ب. نعمة وصلت من جهة غير اللّه في ظاهر الامر وفي الحقيقه فهي أيضاً انما وصلت من اللّه و ذلك لانه تعالى هو الخالق لتلك النعمة و الخالق لذلك المنعم و الخالق لداعية الانعام بتلك النعمة في قلب ذلك المنعم الا انه تعالى لما اجرى تلك النعمة على يد ذلك العبد كان ذلك العبد مشكورا في الحقيقة هو اللّه تعالى و لهذا قال:«أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» فبدا بنفسه تبنّيها على ان انعام الخلق لايتم بانعام اللّه. ج. نعم وصلت من اللّه الينا بسبب طاعتنا و هي ايضا من اللّه تعالى لانه لولا ان اللّه سبحانه و تعالى وفقنا للطاعات و اعاننا عليها و هدانا اليها و ازاح الاعذار عنا و الا لما وصلنا الى شىء منها فظهر بهذ التقرير ان جميع النعم في الحقيقه من اللّه. الفرع الثانى: ان اول نعم اللّه على العبيد هو ان خلقهم احياء ـ الدليل النقلى قوله تعالى «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْيَاكُمْ». النوع الثالث اختلفوا في انه هل للّه تعالى نعمة على الكافر ام لا فقال بعض اصحابنا ليس للّه تعالى على الكافر نعمة و قالت المعتزله للّه على الكافر نعمة دينيه و نعمة دنيوية و اصبح الاصحاب على صحة قولهم بالقرآن والمعقول. غير المغضوب عليهم و لاالضالين المراد من المغضوب عليهم اليهود كما يدل عليه قوله تعالى:«مَن لَعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ» و المراد من الضالين النصارى لقوله تعالى: «قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ». هذا ما عليه المشهور كما عليه الفخر[108] ومجمع البيان[109]، جميع المفسرين الخاص و العام و استدل بما اشرنا اليه ان المغضوب عليهم اليهود كقوله تعالى «مَن لَعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ و هولاء هم اليهود»بدلالة قوله تعالى:«وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» و اراد بالضالين النصارى بدلالة قوله تعالى «وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ». و قال الحسن البصرى ان اللّه تعالى لم يبرء اليهود من الضلالة باضافة الضلالة الى النصارى و لم يبرء النصارى من الغضب باضافة الغضب الى اليهود بل كل واحدة من الطائفتين مغضوب عليهم و هم الضالون الا ان اللّه تعالى يخص كل فريق بسمة يعرف بها و يميز بينه و بين غيره بها و ان كانوا مشتركين فى صفات كثيرة. و قيل المراد بالمغضوب عليهم و الضالين جميع الكفار و انما ذكروا بالصفتين لاختلاف الفائدتين. و اختار الامام عبد القاهر الجرجانى قولا آخر قال: ان حق اللفظ فيه ان يكون خرج مخرج الجنس كما تقول نعوذ باللّه ان يكون حالنا حال المغضوب عليهم فانك لا تقصد به قوما باعيانهم و لكنك تريد ما تريده بقولك اذا قلت اللهم اجعلني ممن أنعمت عليهم و لا تجعلنى ممن غضبت عليهم فلاتريد قوما باعيانهم قد اختصوا بهذه الصفة الّتي هى كونهم منعما عليهم[110] ـ و المشهور تفسير المغضوب عليهم باليهود و الضالين بالنصارى لقوله تعالى:في اليهود منهم من لعنه اللّه و غضب عليه و في النصارى قد ضلوا من قبل كثيرا و قيل المراد بهما مطلق الكفار وقيل مطلق من اتصف بذلك من الكفار و غيرهم. ويدل كل من الذين ـ اى ان النعم عليهم هم الذين اسلموا من الغضب و الضلال فيفيد التأكيد و التنصيص او صفة و يكون يعرف الموصوف و توّغل الصفة في انكار و مخرجا لاحدهما عن الصرافة ـ اى صرفية التعريف للاول و التنكير للثاني. و ذكر ان معنى الضلال التيه ويقابله الهدى و الضالون هم الذين سلكوا غير طريق الهدى فافضى بهم الى الهلاك الابدي والعذاب الدائم ولكنهم دون المغضوب عليهم في شدة الكفر لانهم و ان ضلوا الطريق المستقيم عن تقصير في البحث و الفحص الا انهم لم يعاندو الحق بعد وضوحه و قد ورد في الماثور ان المغضوب عليهم اليهود و الضالين هم النصارى[111]. و قال الاستاذ قدسسره ان الآيات القرآنية لا تختص بمورد و ان كل ما يذكر لها من المعاني فهو من باب تطبيق الكبرى. حقيقة الغضب ان الكلام حول حقيقة الغضب بما انه حالة انفعال و ثورة تطغوا على النفس فذاك مرتبط بالانسان و بعض الغرائز الحيوانيّة لارادة الانتقام ولكن الغضب بالنسبة للّه لايصح اسناد الغضب اليه تعالى لأنّ ذلك من الحوادث إلاّ أن يكون المقصود به بلحاظ الغاية الّتي منشأوها الانسان باعماله و مخالفته للاحكام المنزلة على ألسنة الانبياء فيكون عمل الانسان متجسداً ان كان صالحا فيثاب عليه و ان كان طالحاً فيعاقب عليه. و لابأس ان نستوضح طبيعة الغضب من الوجهة الفلسفية فقد ذكر فخرالدين الرازى[112] الغضب تغيّر يحصل عند غليان دم القلب لشهوة الانتقام و اعلم ان هذا على اللّه محال لكن ههنا قاعدة كلية و هى ان جميع الاعراض النفسانية ـ أعني الرحمة و الفرح و السرور و الغضب و الحياء و الغيرة و المكر و الخداع و التكبر و الاستهزاء ـ لها اوائل و لها غايات و مثاله الغضب فان اوله غليان القلب و غايته ارادة ايصال الضرر الى المغضوب عليه فلفظ الغضب في حق اللّه تعالى لايحمل على اوله الّذي هو غليان دم القلب بل على غايته الّذي هو ارادة الا ضرار و ايضا الحياء له اول و هو انكسار يحصل في النفس و له غرض و هو ترك الفعل فلفظ الحياء في حق اللّه يحمل على ترك الفعل لاعلى انكسار النفس. اما ما ذهب اليه علماء النفس السلوكين فان المعروف لديهم فى تعريف الغضب بالقياس الى الانسان اذ يقول جماعة من الدكاتره فانفعال الغضب مثلا بصورة رئيسية حالة وجدانية فلا يخلو من الجوانب التعرفيه و النزوعية المصحوبة بالمصاحبات الفيسيولوجية البارزه المتميّزة و هناك من النفسانيين من يقول بان لإنفصال الغضب مثلا جانبين حالة شدة و حالة انزعاج و الحالة الاولى تتصل بازدياد الطاقة المتولدة عن الانفعال هذا و ان الانفعالات ترمي إلى غايات عرضية لها قيمة في الغالب فى حياة الفرد و القيمة هذه قد تكون تفادى الخطر في سبيل المحافظة على الذات و النوع باعتبار الفرد شخصية متميزة و يرمى الى القيام بتحقق هدف معين خاص به[113]. و يحدثنا الدكتور حلمى المليحى عن دور الغضب و انه من جملة الانفعالات اذ كل انفعال عبارة عن كتلة من الاحساس و فى نفس الوقت تهيؤ عضلي الجانب الحسى لا يستخدم للتدليل على الحقائق كما يحدث فى الملاحظة و انما هو مشاعر بدون تحليل و الجانب الحركي هو التهيؤ العام ـ ثم يقول: وبعبارة اخرى فيكون كل انفعال من حالة شعورية و تأهب للقيام بعمل فالغضب مثلا شعور خاص و تأهب للمقاتلة و الخوف شعور خاص و تأهب للهر و الشاعرة قد يطلق عليها البطانة الوجدانية او الارضية الخلفية ثم يحدثنا عن الاختلاف فى مراحل الانفعال و انها تتميز بثلاثه امور: اولا: مظاهر جسمية خارجية يمكن للاخرين ملاحظتها و التحقق منها. ثانيا: احداث فسيولوجيه داخلية كمالافرازات الغدية والتغيرات الكيميانيه و الانقباضات الداخلية. ثالثا: مشاعر داخلية مصاحبة و لا يدركها الا الشخص ذاته. و لناخذ مثالا لذلك انفعال (الغضب) فنلاحظ مايلى: اولا ـ تعبيرات و ايماءات و حركات تبدو على الشخص المنفعل كتقطيب الجبين و تقلص عضلات الوجه و قبضة اليد ... الخ. ثانيا ـ اضطراب الجهاز التنفس و سرعة خفقان القلب و ازدياد افرازات الغدد الصمّاء وارتفاع ضفط الدم ... الخ و هذه كلها تغيرات فسيولوجية داخلية. ثالثا بطانة وجدانية من مشاعر ضيق لايدركها الا الشخص ذاته[114]. و بهذه الاشارة الاجماليه نتوصل فى النتيجه الى ان الغضب الّذي يحمله الوجود الانساني والحيواني من الانفعالات و اظهار العلامات الخاصة كما اشار اليها الدكتور المليحى كتقطيب الجبين الحبيبى و تقلّص عضلات الوجه او اضطراب الجهاز التنفسي وسرعة خفقان القلب و ارتفاع ضعف الدم او ظهور بطانة وجدانيه لم تنكشف خارجا و انما يتحسسها الشخص ذاته كلها من العوارض اللاحقة لوجود الانسان و هي من الامور المتغيرة فلا يمكن عروضها على اللّه لقدم ذاته و عدم عروض المتغيرات عليه تعالى. ولكن اتصاف الغضب عليه بلحاظ الغاية و هو كون الانسان لما كان مخالفا لما جاءت به الشرائع و القوانين الآلهية فكان حقه فى نهاية المطاف الدخول في النار بسبب اعماله و رفضه لساحة الحق و طريق الرشاد فغضب اللّه على الانسان بلحاظ نتيجه اعماله القبيحه. فكان الملحض ان حقيقة الغضب في اللّه هو الغاية الّتي يصل الانسان باسباب اعماله غير حقيقه الغضب في الانسان وان المغضوب عليهم هم اليهود و ان الضالين هم النصارى كما عليه مشهور رواد التفسير و ان ورد ان المغضوب عليهم مطلق الكافر و الضالين هو الخارج عن جهادة الحق والسالك طريق الجهل و عدم الدخول في العلم و المعرفه. كما ان الغضب للانسان ينقسم الى قسمين: 1. غضب ممدوح و ذلك في صورة انكار المنكر و الدفاع عن الحق كغضب الامام عليهالسلام عندما جلس على صدر عمروبن عبدود لحز رأسه شتمه وبصق فى وجهه فقام عن صدره الى ان هدءت ثورة غضبه ثم رجع و احتزّ رأسه و لما سئل عن ترّيثه و عدم الاسراع في قتله قال عندما شتمنى غضبت لنفسي فاردت ان يكون الغضب للّه و ليس لنفسي ان مثل هذا الغضب يقع ممدوحا. 2. غضب مذموم و هو من كان لاجل الشهوة كالغضب على فتاة لتكون من اجله دون غيره فى حال الاغتصاب او اقدم لسلب حق او تعد على كرامة و نحو ذلك فان كل هذه الامور موجب لغضب غير ممدوح. [1] . راجع الشوكانى فى تفسيره ج 1، ص 7. [2] . ذكره البيان للسيد الخوئى ص 425. [3] . العقل البشرى ج 1، ص 259. [4] . تفسير الكبير، ج 1، ص 238. [7] . 17 ـ 84. [8] . الصفات 163. [9] . المؤمنون 28. [10] . ابراهيم 39. [11] . النمل 93. [12] . الشورى 5. [13] . الرعد 13. [14] . الاسراء 44. [15] . ص 228 ج 1. [16] . العقل البشرى ج 1، ص 273 ـ 274) ؛ و ذكر الفخر فى تفسيره ج 1، ص 234. [17] . العقل البشري، ج 1، ص 234 . [18] . البيان، ص 403 . [19] . الميزان ج 1، ص 21 . [20] . ج 1، ص 54. [21] . الجوهر الثمين، ج 1، ص 54 ـ 55 . [22] . مجمع البيان ج 1، ص 22 . [23] . مجمع البيان، ج 1، ص 23. [24] . راجع الجوهر الثمين ج 1، ص 51. [25] . التفسير الكبير ج 1، ص 237. [26] . تفسر الشبر: ج 1، ص 237 . [27] . ج 1، ص 239 . [28] . ج 1، ص 276. [29] . ص 456. [30] . ج 1، ص 272. [31] . ج 1، ص 22. [32] . مجمع البيان ج 1، ص 24. [33] . تفسير الكبير، ج 1، ص 240 . [34] . فى الجوهر الثمين ج 1، ص 55. [35] . الفخر فى تفسيره ج 1 ص 372. [36] . الجوهر الثمين، ج 1، ص 58. [37] . يس / 60 . [38] . مؤمنون / 48 . [39] . الرعد / 36 . [40] . النساء / 81 . [41] . النساء / 64 . [42] . السجدة / 71 . [43] . الاحزاب / 1 . [44] . الانسان / 24 . [45] . لقمان / 15 . [52] . الحجر / 39 ـ 40 . [53] . الاسراء / 24 . [54] . النساء / 59 . [55] . الاسراء / 23 . [56] . المائدة / 45 . [57] . لقمان / 27 . [58] . فى تفسيره الكبير ج 1، ص 207. [59] . فى العقل البشرى ج 1، ص 283 ـ 284. [60] . فى الميزان ج 1، ص 26. [61] . البقرة / 45 . [62] . المائدة / 2 . [63] . الكهف / 95 . [64] . الاسراء / 43 . [65] . البيان ص 479. [66] . الميزان، ص 26، ج 1. [67] . ج 1، ص 282. [68] . ذكر فى الجوهر الثمين، ج 1، ص 58 و 59. [69] . ذكر فى مجمع البيان ج 1، ص 27 ـ 38. [70] . و قد ذكر الاستاذ فى البيان ص 439. [71] . طه / 50 . [72] . الاعراف / 30 . [73] . الانعام / 149 . [74] . البقرة / 272 . [75] . البقرة / 213 . [76] . ص 33 ـ 34 الميزان، ج 1. [77] . الاحقاف / 19 . [78] . النساء / 69 . [79] . القصص / 56 . [80] . النساء / 68. [81] . الانعام / 125 . [82] . و ذكر الاستاذ فى بيانه ص 488 ـ 489. [83] . عيون اخبار الرضا، ص 166، ط ايران، عام 1317. [84] . و ذكر فخر الرازى فى تفسيره الكبير م ج، ص 258 ـ 261. [85] . الفخر م ج 1، ص 259. [86] . العقل البشرى ج 1، ص 285. [87] . حدال بكسر الحاء كما في هامش تفسير البرهان ص 47 و عن لسان العرب أحذل قيل هو المائل العنق من خلقه او وجع لايملك ان يقيمه حرف اللام مادة حدل. [88] . الجوهر الثمين ج 1، ص 60. [89] . فى الميزان ج 1، ص 29. [90] . المجادله / 11 . [91] . فى تفسيره البيان ص 485 ـ 486. [92] . الشورى / 52 ـ 53 . [93] . الانعام / 126 . [94] . آل عمران / 51 . [95] . يس / 61 . [96] . الشعراء / 15 . [97] . الانعام / 153 . [98] . النساء / 68 . [99] . حديد / 19 . [102] . النساء / 55 . [103] . في مناقب اميرالمؤمنين ص 48. [104] . ينبايع المودة ص 118 ج 2. [105] . ينابيع المودة ص 109 ـ 110 ج 2. [106] . ذكر الفخر ج 1، ص 263. [107] . فى تفسيره الكبير ج 1، 261 ـ 263. [108] . ج 1، ص 264. [109] . ج 1. [110]. وذكر فى تفسير الجوهر الثمين ج 1، ص 61 ـ 62. [111] . البيان للاستاذ للخوئى قدسسره ص 487. [112] . فى الفائدة الرابعه ص 265 ج 1 ط. [113] . علم النفس التربوى ص 37 تأليف الدكتور محمد خيرى و جماعة مطبوعات جامعة الرياض، 12. [114] . علم النفس المعاصر ص 156، للدكتور حلمى المليحى، ط2، عام 1972، دار النهضة العربيه. |