نظرية الاعتراف في القانون الدولي
يراد بالاعتراف بصورة عامة عبارة عن صدور اقرار من قبل الدولة الحاكمة أو
من قبل المنظمة الدولية بقصد ترتيب آثار قانونية .
ويكون انطباقه على عدة استعمالات كالاعتراف بأعمال العدوان أو الغزو أو
حيازة اقليم أو حماية على دولة أو امتداد الحزام البحري للدولة أو لقب حاكم اجنبي
أو مشروعية بعض اوجه النشاط السياسي .
وإذا أريد بلفظ الاعتراف مجردا فيراد به الاعتراف بأشخاص القانون الدولي.
ويرى القانون الدولي أن الاعتراف يستعمل على عدة موضوعات وليس منها ظواهر
قانونية مشتركة حتى يستخرج منها قاعدة كلية عامة .
ويصطلح على مثل هذه بمصطلح علماء الشيعة بعدم الجامع الموضوعي ولكن يمكن
أن يصدق عليه بالجامع العنواني كما تعرض إليه علماء الأصول الشيعة في المشتق .
واختلف فقهاء القانون في طبيعة الاعتراف بأنه هل هو تصرف سياسي خالص أم
اعتراف من الموضوعات التي يحكمها القانون الدولي وما هي الطبيعة القانونية للاعتراف
أهو تصرف بإرادة منفردة أم أنه في حاجة انضمام عنصر لترتيب آثاره وما الفرق بين
الاعتراف الدولي والاعتراف لتملك الدولة الجديدة أو الحكومة الجديدة أو حقا في
الاعتراف بها يقابله التزام على الدول الأخرى بالأعتراف إذا ما استجمعت الوحدة
المعينة حدا أدنى من الشروط أم أن هذا القرار يرجع إلى السلطة التقديرية للدولة
المعترفة .
هل توجد قيود قانونية على حق الاعتراف تلتزم بها الدولة المعترفة حيال
الدول التي كانت الدولة الجديدة جزءا منها .
ماهي أنواع الاعتراف وأشكاله وآثارها القانونية ؟
أيعتبر الاعتراف مقررا أم منشأ وهل للاعتراف أثر رجعي أيمكن القاء
الاعتراف أو الرجوع فيه بعد إقراره وإن جاز ذلك فما هي الشروط التي تنظم الإلغاء أو
الرجوع ؟
كل ذلك فقد ذكره الدكتور محمد طلعت ولكن يمكن أن تستظهر الموضوعات من
سياق الاستفهام في موضوع بحث الاعتراف .
ويقول الدكتور محمد طلعت أنه لا شك أن الاعتراف تصرف قانوني لأن الدولة
التي تعترف بدولة أو بحكومة أخرى إنما تقصد من وراء هذا الاعتراف أن ترتب آثارا
قانونية طبقا للقانون الدولي.
عندما نلاحظ فقهاء القانون الدولي في تعريفهم للأعتراف يعبرون عنه بالتصرف
وإنما الّذي ينبغي أن يلحظ في إطار الاعتراف النظر بما هو بدون نظر إلى ما يترتب
عليه من الآثار لأن النظرة الأولى تأتي لحقيقة الاعتراف وكون التصرف يقع من الآثار
المترتبة على الاعتراف لا أن التصرف هو حقيقة الاعتراف كما يبدو من كلماتهم.
والمهم أن نستعرض الحديث معهم في طبيعة الاعتراف هل هو اعتراف مقرر أم
منشأ وفي مصطلح آخر لفقهاء القانون الدولي هل هو إقرار بوجود الوحدة الجديدة أم أنه
هو الّذي يعطيها كيانا قانونيا .
ويتعرض إليه علماء الإسلام في الفقه الشيعي أن الإقرار امر انشائي أم امر
حكائي والّذي يبدو في الغالب أنهم يعتبرونه أمرا انشائيا لا حكائيا .
ولكن مما نلاحظه في حديث الدكتور محمد طلعت عن أحكام الأمم حيث يرى
الاعتراف أمرا حكائيا إذ يقول في كتابه الأحكام العامة أن الاعتراف لفظا يحمل في
مدلوله مسبق وجود الشيء المعترف به ولا يمكن أن يتصرف إلى غير موجود من قبل فكيف
يستساغ إذا القول بأن للاعتراف صفة انشائية ويقول أبو هيف هذا ويتبع اعتبار
الاعتراف بالدولة ذي صفة إقرارية لا انشائية أن يكون أثره رجعيا أي أنه يرجع إلى
التاريخ الّذي ظهرت فيه الدولة الجديدة بالفعل إلى الوجود كدولة مستقلة .
أما النظرية المنشئة بحسب القانون الدولي أيضا فيرى أنصار تلك النظرية
بأن الاعتراف شرط لازم لتوافر الحقوق القانونية ويرون أن وجود الدولة ذاته متوقف
على الاعتراف .
أما الفكر الإسلامي الشيعي في الإقرار فكما أشرنا إليه انه يدور بين
نظريتين كما في القانون الدولي المعبر عنهما بنظرية المقرر والمنشأ وفي الفقة
الشيعي بالإقرار الحكائي والإنشائي ويرتبون على نظرية الإقرار الحكائي عدم ترتب أثر
قانوني بخلاف الإقرار الإنشائي فيمكن الحاكم القضاء .
وهناك نظرية ثالثة ذكرها سماحة والدنا وهي عبارة عن جعل السبب
وإن كنا نرتئي نظرية الحكاية لأن طبيعة الاعتراف في مقام الكشف عن صدور صفة قد حدثت
وليس في مقام جعل ملكية أو تصرف لاستقرار الملكية قبل اعترافه ومن الغريب
عندما نلاحظ فقهاء القانون الدولي في تعريفهم للأعتراف فإنهم يعبرون عنه بالتصرف
القانوني ولازمه جعل الإنشائية دون الحكاية ولكن مع ذلك حينما يأتون إلى الإثبات
يستقرون على نظرية المقرر وهو الأمر الحكائي الكاشف دون عالم الأنشاء والايجاد .
هذا مع أنه يمكن مناقشة فقهاء القانون الدولي في نظرية المنشئة في
تعريفهم بأن الاعتراف شرط لتوافر الحقوق القانونية حيث قد جمعوا بين التنجيز الّذي
هو في خصوص المنشئة وبين التعليق كعنوانه شرط لتوافر الحقوق .
وهناك ملاحظة أخرى تعرض إليها الدكتور محمد طلعت بأن الأنشاء لا يمكن أن
يكون خالصا لأنه لا يخلق شيئا من العدم فهو في حقيقته يعني أن وحدة واقعية قد ولدت
في نطاق القانون أو اكتسبت حياتها القانونية.
ووجه الملاحظة بأن الانشاء والحكاية من الجهات الواقعية التي تضفي على
عنوان الإنشاء بالإيجاد وعلى الحكاية بالكشف فإذا لم يتم عالم الانشائية إذا صح
التعبير فلا يصل إلى مرحلة الحكاية هذا مع أن حقيقة الإنشاء من القضايا البسيطة
وملاكها يدور بين الوجود والعدم وإذا تم الاعتراف تحققت لوازمه القريبة من التصرف
في الملكية والسيادة .
ويقسم فقهاء القانون الدولي الاعتراف إلى صريح وضمني .
والمقصود من الصريح أن تظهر مقصودها في الاعتراف واضحا من غير لفظ مبهم .
أما الاعتراف الضمني فهو في حاجة إلى تفسير النية المضمرة للدولة.
ويقسمون الاعتراف أيضا إلى اعتراف قانوني واعتراف واقعي والفرق بينهما أن
الاعتراف القانوني اعتراف نهائي والواقعي وقتي أو أن التفرقة تأتي بأن الاعتراف
القانوني بوحدة قد استكملت شروطها وفي الواقعي بوحدة لم تستكمل شروها ويمكن إرجاع
التفرقة بينهما إلى إطار السياسة دون غيرها .
ويتحقق الاعتراف عن دولة ويسمى بالاعتراف الفردي ويوجد عن عدة دول ويسمى
بالاعتراف الجماعي . كما أنهم يرون التلازم عاديا في الاعتراف بين الحكومة والدولة
نظير اعتراف الولايات المتحدة لاسرائيل بواسطة اعتراف حكومتها وقد لا يتحقق هذا
التلازم كما حدث ذلك في اعتراف الجمهورية العربية المتحدة بسوريا ولكنها رفضت وقتئذ
أن تعترف بحكومة الانفصال في سوريا .
أما الفكر الإسلامي فيرى كون الإقرار واضح الدلالة وأن يكون بلفظ مطابق
للمعنى الموضوع له ويرى أن الاعتراف القانوني يقع في مورد الجزاء وفي الاعتراف
الواقعي إذا كان من الموضوعات المالية مورد الضمان .
ويقسم (لازاريف) الفقيه السوفييتي الاعتراف فإما أن يكون اعترافا بالواقع
وإما أن يكون اعترافا دبلوماسيا والاعتراف الدبلوماسي يقسم إلى اعتراف قانوني
واعتراف واقعي وكلا القسمين يرجعان إلى الاعتراف القانوني وعرف بوبرف السوفييتي بأن
الاعتراف القانوني يعني الإقرار لدولة بعينها بأهليتها لاكتساب كافة الحقوق
والالتزامات وبكل الواجبات العائدة للدولة ذات السيادة بوصف أنها تتمتع بالشخصية
الدولية الكاملة وكذا ، لحكومتها بأنها هي وحدها الممثل القانوني لتلك الدولة .
ويرى لازاريف أن الاعتراف يتحقق عندما تتطلب ضرورات العلاقات الاقتصادية
العالمية دون تصريح خاص بالاعتراف قيام علاقات تستتبع آثارا قانونية خاصة كعقد وفاق
تجاري خاص أو منح تأشيرات .
ويعتبر الفقية السوفييتي أن الاعتراف من نوع المقرر دون المنشأأشخاص
القانون الدولي
قد اعتبر أن الدولة هي شخص القانون فهل الاعتبار جاء بالنسبة إلى أشخاص
الدول حتى يكون الخطاب القانوني موجها إليهم كما جاء في الإسلام بأن الخطابات موجهة
تارة لكافة الجنس البشري كقوله تعالى : «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى «
أو إلى دور التشريع المعبر عنه بأشخاص القانون مثل «يا أيها الذين آمنوا » .
فالقانون الدولي عندما يوجه خطابه للدول بغض النظر عن الكائنات البشرية
التي تكون تلك الدول والذين هم في الحقيقة صانعوا القرارات التي تقيم وتنفذ وتنتهك
القانون .
وقد أشار إلى أن الخطابات القرآنية أو السنة النبوية كلها في اتجاه نحو
عامة المجتمع الّذي وجه إليه الخطاب المؤمن به سواء كانوا مشافهين أم معدومين وهذا
هو المصطلح عليه في عرف المناطقة بالقضية الحقيقية .
كما أن رجال الدين ليسوا في حاجة إلى الاعتراف من قبل الدولة أو من قبل
القانون الدولي كما نطالع اعتراف الملك بين الأول في سنة 746 بالبابا ستيفن الثاني
على أنه سيد مدينة روما وضواحيها .
وكذلك في عام 1201 اعترف أتو الرابع بسيادة البابا على منطقة أوسع .
أما النظرة الاسلامية الشيعية فقد ورد الاعتراف التشريعي من قبل الامام
المعصوم عليهالسلام في منصب الفقيه والسيطرة العامة في حل مشاكلهم الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية بحسب ما ينظر إلى الادلة الروائية في معرفة المنصب للفقيه
ومقدار سعته في الاعتراف من قبل القانون والشرع .
كما ورد في التوقيع المشهور في قوله عليهالسلام وأما الحوادث الواقعة
فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه.
ومثل هذه النوعية تعطي اعترافا رسميا مستمرا لجميع الأفراد الذين يتلبسون
بتلك الصفة فإنهم حجة وقولهم نافذ في حق الآخرين لا يجوز مخالفتهم لأن الحجة قبس من
تلك الشعلة الإلهية .
. الأحكام العامة ص 585 ـ 589 .
. الحكومة في القضاء ص273 .
. الاحتجاج ص 283 طبعة النجف .
|